لم يمر وقت طويل على توقيع اتفاقية وقف الأعمال العدائية بين الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي، في جنوب أفريقيا، حتى اندلعت حرب أخرى أكبر وأكثر انتشاراً في إقليم أمهرة بين القوات الحكومية ومليشيات الفانو والمجموعات المنتمية لها، في شمال إثيوبيا.
تلك المجموعات ترتبط بصورة مباشرة بمناطق عدة وحدود مع كل من إريتريا والسودان، الذي يشهد حربا طويلة أدت للقضاء على البنى التحتية وتشريد المواطنين.
واندلعت حرب إقليم أمهرة بسبب خلافات عديدة؛ أهمها أن المجموعات المسلحة في الإقليم التي تضم عناصر من الشفتة والقوات الخاصة للإقليم، رفضت مطالب الحكومة الإثيوبية بتسليم السلاح، وتسريح القوى، ودمج القوات المختلفة تحت قوى فيدرالية موحدة.
الخلافات جاءت بعد سعي الحكومة لتجريد الأمهرة من سلاحهم وقوتهم، عبر عملية دمج وتسريح القوات، في فكر متجدد يقلل من دور قوات الدفاع الوطني الإثيوبية في حماية البلاد وحدودها ومقدراتها. ويعتقد البعض أن عملية حماية الإقليم ومقدراته من مسؤولية القوات الخاصة وبعض المليشيات التي لا خبرة لها في القتال سوى بعض العمليات المتفرقة ولا ترتقي لعمل الجندي والمقاتل المتمرس.
وكانت مليشيات الفانو ومجموعات أمهرة المسلحة أكثر المجموعات المتحالفة مع القوات الحكومية خلال حربها ضد مقاتلي جبهة تحرير تيغراي، لكن سرعان ما انقلبت على القوات الحكومية.
بداية الخلاف كانت إبان انسحاب القوات الحكومية من بعض مناطق ولو المتاخمة لإقليم تيغراي، في ظل تزايد تحركات جبهة تحرير تيغراي التي سيطرت مجدداً على إقليم تيغراي، وازداد الخلاف بعد توقيع اتفاقية بريتوريا للسلام في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ومع تطور الصراع مجدداً بين القوات الحكومية ومليشيات الفانو منذ الأربعاء الماضي، ازدادت تحركات القوات الحكومية في الإقليم، وتواصلت الاشتباكات التي أدت إلى تعطيل حركة المواصلات البرية والجوية، وتعطيل نشاط المؤسسات العامة في مدن الإقليم، خاصة مدينة قوندر التاريخية التي تعد أهم مدن إقليم أمهرة، وحلقة الوصل بين القادمين من السودان إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا .
وأدت تحركات مليشيات الفانو في الإقليم والمجموعات التي تنظم تحت لوائها: "الفانو، والشفتة، ومسافنت، وغيرها من شباب الإقليم المسلحين" لانتشار العديد من العمليات التي عرضت حياة المواطنين للخطر، وتدمير المؤسسات العامة والخاصة في مدن عدة، بالإضافة إلى عمليات سرقة ونهب، ما أجبر حكومة الإقليم على دعوة الحكومة الفيدرالية للتدخل وفرض الأمن والاستقرار، وفقاً لأحد بنود الدستور الإثيوبي، الذي ينص على: "في حال فشلت حكومة الإقليم تدعو الحكومة الفيدرالية للتدخل لفرض الأمن".
وسرعان ما صدّق مجلس الوزراء الإثيوبي على إعلان حالة الطوارئ في إقليم أمهرة، ما يعني مزيداً من التطورات والتصعيد بين الطرفين من مناوشات لحرب متطورة، قد تكون لها نتائج سريعة على المنطقة الشمالية لإثيوبيا، وقد تؤثر بصورة مباشرة على الحدود السودانية الإثيوبية، وحركة النازحين السودانيين الذين يتدفقون يومياً إلى الأراضي الإثيوبية عبر معبر القلابات السودانية، كبديل آخر أمامهم، وصولا إلى المتمة الإثيوبية ومنها إلى الداخل الإثيوبي، عبر مدينة قوند، التي يوجد فيها الآن عدد كبير من السودانيين العالقين، الذين فروا من جحيم حرب ليقعوا في حرب أخرى لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
المشهد في أمهرة يوضح أن هناك دعمًا كبيرًا تتلقاه مجموعات الفانو من قبل جهات لم يتم ذكرها. وظهرت تحركات الفانو بقوة في الصراع الأخير، وبدأت تحارب القوات الحكومية في جبهات عدة في آن واحد، وأحيانا تعلن أنها سيطرت على مناطق عدة في مقاطعات الإقليم.
وفي حال تقدمها أكثر من ذلك قد يكون لصراع الفانو ضد القوات الإثيوبية تأثير كبير على المنطقة، مما قد يجعلها تنقل معاركها إلى مناطق أخرى مثل الحدود الإثيوبية السودانية، التي كان بعض سياسيي أمهرة، يتهمون الحكومية الإثيوبية بالتنازل عن تلك الأراضي.
وقد يتضح خلال الساعات المقبلة من يقف خلف مليشيات الفانو في إقليم أمهرة، حتى تقوم بتلك التحركات وتعلن الحرب على الحكومة الإثيوبية في هذا الوقت، في جبهات عدة داخل الإقليم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة