وسط الانشغالات والمهام الرئاسية التي تأخذ كثيراً من اهتمام ووقت أي قائد أو زعيم سياسي في العالم، يُثبت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، أنه قائد فوق العادة وزعيم تاريخي على مستوى العالم.
فبينما العالم كله منشغل بالانقلاب العسكري في النيجر، وكذلك بالملاحقة القضائية في الولايات المتحدة للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، وبالارتفاع غير المسبوق في درجات الحرارة في معظم أنحاء العالم، نجد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يحرص على تذكير العالم بواحدة من أبشع المذابح التي شهدها العالم، التي ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية. وذلك حين قام تنظيم "داعش" الإرهابي بحملة إبادة ضد الإيزيديين سكان منطقة "سنجار" بالعراق في الثالث من أغسطس/آب عام 2014.
كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان هو رئيس الدولة الوحيد بين زعماء وقادة دول العالم، الذي استدعى تلك الواقعة البشعة واستحضر دلالاتها ودروسها.
ذكر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في تغريدة له على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) أن "الذكرى التاسعة لتلك الجريمة التي ارتكبها تنظيم داعش بحق الإيزيديين في العراق في 3 أغسطس/آب عام 2014، هي مناسبة أليمة تُذكّر العالم كله بأهمية العمل من أجل ترسيخ مبادئ التسامح والتعايش، ورفض التطرف وازدراء الإنسان بسبب الاختلاف في الدين أو المذهب أو العرق".
فالتغريدة الموجزة بليغة الدلالات والمعاني من قبل زعيم لا يمكن مقارنته خاصة في هذا التوقيت من الزمن منها. الدلالة أو المعنى الأول: أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نظر من خلالها إلى أن تلك المأساة مدعاة إلى ضرورة ترسيخ مبادئ التسامح والتعايش في العالم وبذلك أثبت للعالم أنه زعيم عالمي وليس قائد دولة فقط، لأنه يتذكر مأساة الإيزيديين العراقيين، ويضعها ضمن مسؤولياته ويعتبرها من أولوياته.
الدلالة أو المعنى الثاني: أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يضع العالم أمام مسؤولياته في حماية الأقليات والطوائف بغض النظر عن طبيعتها. كما يكشف أن حدود تلك المسؤولية لا تقف عند هزيمة التنظيمات الإرهابية أو وقف جرائمها ذات الطابع العنصري والطائفي، وإنما يجب أيضاً استكمال معالجة ما ترتب على تلك الجرائم من تداعيات وأوضاع غير إنسانية.
وحالة الإيزيديين مثال واضح على ذلك، فمن بين بضعة آلاف تم اختطافهم وتعذيبهم وإخفاؤهم على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، لا يزال أكثر من 2600 منهم مختفين.
وهناك أيضاً دلالة أخرى لا تقل أهمية في تغريدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، عن سابقتها، وهي أن قضايا العالم وهمومه مترابطة. وبالتالي فأولوية بعض الملفات أو الأحداث الطارئة لا تعني تجاهل أو استبعاد قضايا وملفات أخرى لا تقل أهمية لأنها تتعلق بمستقبل البشرية ومصير الإنسانية.
وفي ذلك مغزى عميق مفاده أن استقرار العالم وأمنه لا يتعلق فقط بقضايا التسلح أو وقف الصراعات العسكرية أو غيرها من القضايا والمشكلات المتعلقة بالعنف والحروب. فالاضطهاد والعنصرية والتطرف والإرهاب كلها مصادر كافية لزعزعة استقرار العالم، من خلال انتشار الضغينة والاحتقان، سواءً فيما بين المجتمعات المختلفة عن بعضها أو داخل المجتمع الواحد.
وبينما يعاني العالم حالياً من فجوات واضطرابات طائفية تحمل رائحة العنصرية البغيضة، خصوصاً في ظل تصاعد موجة الأعمال المسيئة للإسلام والمسلمين في الغرب، فإن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان يرد على تلك الموجة بروح التسامح والتعايش الإنساني المجرد من قيود الانتماءات والهويات الطائفية الضيقة. ليقدم مثالاً إيجابياً معاكساً تماماً للنماذج العنصرية التي تفرزها بعض دول الغرب من حين إلى آخر.
وهكذا يثبت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أنه قائد إنساني من طراز نادر. فلو لم يبادر إلى تذكير العالم بذكرى جرائم "داعش" في سنجار، لكان ذلك طبيعياً. لكن ما قام به من سمات الزعامات التاريخية المتفردة، التي تبادر بما يحجم عنه الآخرون، وتستحضر ولو بعد حين ما يغفله العالم أو قد ينساه.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة