قنبلة صافر.. تحرك أممي ومخاوف يمنية من مراوغات الحوثي
رغم إعلان الأمم المتحدة مؤخرا عن اتفاق مع مليشيات الحوثي بشأن قنبلة الناقلة "صافر" في البحر الأحمر إلا أن توقعات الكثير من اليمنيين شككت بالتزام مليشيات الحوثي بتعهداتها.
ويعود ذلك إلى تنصل مليشيات الحوثي وتاريخها المليء بالمراوغات واتخاذها للناقلة كورقة سياسية لابتزاز العالم وتهديد دول الجوار، خاصةً وأن "صافر" المتهالكة تقل 1.1 مليون برميل من النفط الخام وخطر تسربها في البحر الأحمر قد يسبب بكارثة بيئية تاريخية غير مسبوقة.
ووفقا للأمم المتحدة فإن المقترح الجديد يقضي بحل فوري للتهديد الذي تشكله ناقلة النفط "صافر" عن طريق نقل ملايين من براميل النفط الخام على متن السفينة المتهالكة إلى ناقلة أخرى إضافة إلى حل طويل المدى.
ولم تكشف الأمم المتحدة المزيد من التفاصيل عن المقترح الجديد الذي أعلنت موافقة مليشيات الحوثي عليه عقب 7 أعوام من العراقيل والتنصل.
التفريغ أولوية
وأكد وليد الشعيبي، مدير عام الرصد والتقييم البيئي في الهيئة اليمنية العامة لحماية البيئة وممثل الهيئة في لجنة الطوارئ الوطنية العليا الخاصة بناقلة صافر، أن المليشيات بعد سنوات من التنصل المتكرر وقعت مذكرة تفاهم مع الفريق الأممي الفني الخاص بتقييم قضية الخزان النفطي؛ لتفريغ شحنة النفط الخام.
وأشار الشعيبي، في تصريحات خاصة لـ"العين الإخبارية" إلى أن مذكرة التفاهم جاءت نتيجة استجابة للحلول والمقترحات التي قدمتها لجنة الطوارئ الوطنية العليا باليمن للأمم المتحدة بشأن معالجة أزمة الخزان العائم وتجنب حدوث كارثة بيئية بسبب تعنت الحوثيين.
وكشف المسؤول اليمني عن اجتماعٍ بين اللجنة الوطنية المعنية بالاستجابة لمخاطر تسرب نفط خزان صافر مع ممثل برنامج الأمم المتحدة للشئون الإنسانية في اليمن ديفيد غريسلي، والوفد المرافق له، قبل نحو شهر، والاتفاق على مجموعة من القضايا.
وقال الشعيبي: "إن أهم ما تم الاتفاق عليه أنه لا حل ممكن لمشكلة خزان صافر إلا بتفريغ محتويات الخزان العائم، باعتباره حلًا يمثل أقل الأضرار، وأكثر ما يمكن عمله في هذا الوقت".
وأضاف: "بعد لقاء اللجنة الحكومية ذهب الفريق الأممي إلى صنعاء للاجتماع مع الحوثيين وعادوا إلينا مرة أخرى ليأكدوا لنا قبول الحوثيين وتوقيعهم مذكرة تفاهم مبدئية على نقل النفط الخام من سفينة صافر إلى سفينة أخرى".
مؤكدًا أن تعاطي لجنة الطوارئ الحكومية مع توقيع مذكرة التفاهم يأتي في إطار أنها خطوة بالاتجاه الصحيح إذا صحت وثبتت نية مليشيات الحوثي في نقل محتوى الناقلة إلى سفينة أخرى، تجنبا للخطر الداهم والقنبلة الموقوتة للكارثة التي يمثلها الخزان في البحر الأحمر.
آلية نقل النفط
كشف المسؤول الحكومي عن آلية نقل النفط الخام التي تم اقتراحها، عبر وجود اتفاقات مع شركات نقل بحري أوروبية خاصة بناقلات النفط، وتوفير سفينة أخرى ونقل النفط من خزان صافر إليها، ثم بيعه لاحقا وفق ترتيبات معينة في مرحلة تالية، وفق قوله.
وأكد الشعيبي، أن عملية النقل ممكنة جدا وهناك 3 شركات دولية أبدت استعدادها لتنفيذ هذه العملية، ولا تشترط سوى توفير التأمين من المخاطر الأمنية للفرق التابعة لها، وهي شركات مؤهلة وخبيرة.
وتابع: "ما يهمنا الآن هو التخلص من النفط المتواجد في خزان صافر ونقله إلى مكان آخر، خاصةً بعد إبداء هولندا استعدادها لترتيب مؤتمر للمانحين خلال شهر مارس/آذار الجاري خاص بهذا الشأن؛ لتوفير 35 مليون دولار كتكلفة عملية نقل النفط الخام، بالإضافة إلى قرابة 20 - 25 مليون دولار مقابل السفينة التي سيتم نقل الشحنة إليها".
وأضاف أن هناك بعض الدول الأوروبية والعربية مستعدة لدعم وتمويل هذه العملية، حرصا منهم على بيئة البحر الأحمر من التلوث، بسبب التهديدات على البيئة البحرية التي يتسبب بها تعنت مليشيات الحوثي.
ملاحظات حكومية
مازالت التفاهمات بين الفريق الأممي واللجنة الحكومية الخاصة بصافر، في طور "الأخذ والرد"، بحسب وليد الشعيبي، الذي لفت إلى لقاء سيجمع لجنة الطوارئ الوطنية بالفريق الفني التابع للأمم المتحدة.
وقال: "نهاية الأسبوع الجاري سيكون هناك لقاء للرد على مذكرة التفاهم الموقعة بين الأمم المتحدة والحوثيين؛ لأن اللجنة الحكومية لديها ملاحظات على هذه المذكرة، وسيتم الرد عليها بشكل رسمي عبر وزارة الخارجية موجهة للفريق الأممي".
وهو ما يعني أن الطرف الحكومي يسعى إلى إجلاء أي غموض قد تتضمنه مذكرة التفاهم مع الحوثيين، خاصةً وأن المليشيات اعتادت على التملص من أية التزامات مالية، رغم خطورة التهديد الذي يمثله النفط الخام في أحشاء الناقلة صافر.
كما أن مذكرة التفاهم تحوي بنودا غير واضحة وتطغى عليها العموميات دون التطرق إلى تفاصيل واضحة تضمن سريان عملية التنفيذ بشكل جلي وواضح.
ورقة ضغط سياسية
شكك المسؤول اليمني الشعيبي، في رغبة مليشيات الحوثي بتنفيذ عملية تفريغ خزان صافر النفطي من محتواه، وقال: "التجارب التي عايشناها مع الانقلابيين أكدت بما لا يدع مجالا للشك أنهم يستخدمون قضية خزان صافر النفطي كـ"ورقة ضغط سياسية" لابتزاز المجتمع الدولي وتهديد دول التحالف العربي.
وأضاف، أن على رأس هذه الدول التي تبتزها مليشيات الحوثي تأتي السعودية باعتبارها مطلة على البحر الأحمر، وليس هناك أفضل من خزان عائم متهالك قد يهدد المملكة بكارثة ستدمر البيئة البحرية، التي ستطال سواحل جميع الدول المطلة على البحر الأحمر.
وتابع "لا أثق بالمليشيات لأنهم يعلنون عن إجراءات وتفاهمات وبمجرد أن تمضي خطوات تنفيذها حتى يتراجعوا ويتعنتوا".
وبرر الشعيبي أساليب المليشيات تلك بأن غرضهم منها الابتزاز، كما أن إعلان توقيع مذكرات تفاهم واتفاقيات مع الأمم المتحدة يأتي للحصول على امتيازات أممية بدخول مساعدات أو أشياء سرية تدور في الكواليس، وعند حصولهم عليها يتحججون بمبررات واهية لإخلاء التزاماتهم، بحسب وصفه.
واختتم حديثه مع "العين الإخبارية" بقوله: "قناعتي الشخصية تؤكد أنه لا يمكن للحوثيين بأن يسمحوا بتفريغ صافر، لأنها سلاح ابتزاز وضغط بأيديهم، لكن هذا لا يمنع التماهي مع ما بدر منهم مؤخرا، مؤملين أن تكون بداية لمعالجة هذه الأزمة البيئية التي تهدد بكارثة وخيمة".
ووفقاً للتقديرات، ستحتاج اليمن -بعد وقوع التسرب النفطي الوشيك- إلى معالجة أضرار كارثة التلوث البحري لفترة طويلة من الزمن، ولمدة تزيد عن 30 سنة قادمة (على الأقل) كي تتعافى بيئة البحر الأحمر.
ورصد موقع حلم أخضر (صوت البيئة في اليمن)، مقدرات البيئة اليمنية التي ستواجه الكارثة، بالاستناد إلى بيانات الجهات الرسمية وعدد من الدراسات العلمية والتقارير الوطنية، وجمعنا بالأرقام الكلفة البيئية والاقتصادية والإنسانية التي ستخسرها اليمن في حال وقوع انفجار لصهاريج خزان صافر العائم، أو في حال تسرب للزيت الخام وسط البحر.
الكارثة بالأرقام
منذ سيطرة مليشيات الحوثي على مدينة الحديدة أواخر عام 2015 أُهملت ناقلة وخزان النفط العائم "صافر" قبالة ميناء رأس عيسى، لتصدير النفط بمدينة الحديدة على البحر الأحمر غرب اليمن، ما جعل الناقلة تمثل أكبر تهديد بيئي واقتصادي ليس على اليمن فقط، بل على المنطقة برمتها.
فالخزان يحمل على متنه أكثر من 1.1 مليون برميل من النفط الخام، وقد تعرض هيكلها الحديدي للتآكل والتحلل، كما تعرض أحد أنابيبها لثقب، مما تسبب بتسرب مياه البحر إلى غرفة محركاتها؛ ليزداد خطر تسرب النفط الخام من صهاريج التخزين؛ في ظل إهمال الحوثيين.
ووفقا للأرقام والإحصائيات فإن التكلفة البيئية والاقتصادية والإنسانية التي ستخسرها اليمن في حال تسرب النفط من خزان صافر العائم، ستكون كارثية بكل المقاييس.
فهناك نحو 115 جزيرة يمنية في البحر الأحمر ستفقد تنوعها البيولوجي، وستخسر موائلها الطبيعية، فيما سيفقد قرابة 130 ألف صياد يمني تقليدي مصدر رزقهم الوحيد، وسيتعرض نحو 900 ألف طن من كمية المخزون السمكي في المياه اليمنية للتلف في البحر الأحمر وخليج عدن.
كما ستقضي بقع الزيت المتسربة على قرابة ألف نوع من أصناف الأسماك في المياه الإقليمية، وسيختفي نحو 300 نوع من الشعاب المرجانية و768 نوعا من الطحالب نتيجة عدم وصول الأكسجين.
يأتي ذلك في الوقت الذي تهدد فيه الكارثة 1.5 مليون طائر مهاجر أثناء عبوره السنوي لمنطقة باب المندب والجزر اليمنية والأراضي الرطبة، والتي تصنف بأنها ثاني ممر عالمي للطيور المهاجرة الحوامة.
كما سيتعرض 170 نوعاً من الطيور المهاجرة البرية والمائية التي تتواجد في محميات وسواحل الأراضي الرطبة في محافظة عدن، لخطر النفوق جراء وصول بقع الزيت إلى خليج عدن، والبحر العربي.