مسؤول يمني لـ"العين الإخبارية": "نهب الوقود" سلاح آخر لحرب الحوثي
لا يكتف الحوثيون بصناعة أزمة الوقود باليمن واستثمارها للمتاجرة السياسية والاقتصادية بل وصل إلى نهب مخزون النفط لتموين جبهات القتال.
وكشفت أزمة الوقود المميتة مؤخرا شمال وغرب اليمن أنها لا تعد إلا حرب أخرى للحوثيين استهدفت مفاقمة معاناة اليمنيين باتخاذ منشأت تخزين النفط الاستراتيجي في صنعاء والحديدة ليس لتغذية السوق السوداء فحسب ولكن لإبقاء الإمدادات لآلياتها العسكرية.
وتسيطر مليشيات الحوثي على منشأة "الصباحة" في صنعاء، ومنشأة "الحديدة" (غرب) والتي كانت تمثل مخزون استراتيجي لمواجهة أي نقص قد يحدث في سوق الوقود على مستوى كل اليمن قبل أن يستغلها الانقلابيون في تموين آلة الحرب وترك أكبر كتلة سكانية للموت.
وهذا ما أكده مدير عام فرع شركة النفط في الحديدة اليمنية، أنور العامري، موضحا أن الخزانات الضخمة لمنشآتي "الصباحة" و"الحديدة"، التي كانت تستخدم في مواجهة أي نقص في سوق الوقود حولها الحوثيون بالفعل إلى مخزون لتموين جبهات القتال وفعالياتهم الطائفية.
وقال العامري، في حوار مع "العين الإخبارية"، إن منشأة "الصباحة" بصنعاء باتت منطقة مغلقة لتخزين مشتقات النفط الخاص بمليشيات الحوثي والتي تستخدمها كـ"مجهود حربي" كما تسميها، والتي تحوله لتموين آلياتها العسكرية.
كما تستخدم خزانات هذه المنشأة الاستراتيجية في تموين المناسبات الطائفية التي تقيمها، بالإضافة إلى الاستغلال العسكري والطائفي للخزانات التابعة لمحطة شركة النفط، وفقا للمسؤول اليمني.
وعن منشأة الحديدة، أوضح العامري، أن مليشيات الحوثي منحت الكثير من الخزانات لشركات نفطية خاضعة لها منها شركتي "آزال" و"مؤسسة الشهداء"، وهذه الشركات تتخذ غطاء لتأمين المشتقات النفطية الخاصة بجبهات القتال فضلا عن مد السوق السوداء.
وتتخذ مليشيات الحوثي بعض خزانات منشأة الحديدة، وفق العامري، في تخزين كميات كبيرة من المحروقات التي تنهبها من التجار ومن شركة النفط والمحطات التجارية بزعم "المجهود الحربي" وتصل لـ 10% وتستخدم في التمويل المباشر للجبهات، أو الترحيل إلى خزانات "الصباحة" في صنعاء.
تعطيل إمدادات الوقود برا وبحرا
وحمل المسؤول في شركة النفط الخاضعة للحكومة اليمنية المعترف بها مليشيات الحوثي المسؤولية عن أزمة الوقود الحادة والمميتة في مناطق سيطرتها وذلك إثر "منع إمدادات المشتقات النفطية عبر المنافذ البرية"، حد قوله.
وأكد المسؤول اليمني أن ناقلات النفط عبر المنافذ البرية التي تقدر بالمئات تعمل في توفر 90% من احتياج السوق المحلي في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي بل ويمكن أن تفوق الاحتياج اذا لم تمنعها المليشيات.
وأوضح أن مليشيات الحوثي عمدت إلى غلق المنافذ البرية للضغط لإبقاء استيراد الوقود فقط عبر ميناء الحديدة وهي بذلك تستهدف توحيد وعاء الضرائب والأموال والجبايات لإمداد خزينتها الحربية.
وعن إجراءات الحكومة اليمنية التي تفرضها على دخول سفن النفط إلى ميناء الحديدة، نبه العامري إلى أنه تم إقرارها عقب تعطيل مليشيات الحوثي اتفاق وقعته مع الشرعية برعاية الأمم المتحدة ويقضي بتخصيص إيرادات ميناء الحديدة لدفع مرتبات الموظفين الحكوميين وفق كشف 2014.
وأوضح أن الاتفاق نص على توريد الإيرادات لميناء الحديدة للبنك المركزي في الحديدة لكن مليشيات الحوثي قامت بنهبه بعيد 3 شهور فقط مطلع 2018، وبلغت 72 مليار ريال يمني من عائدات هذه السفن.
وأشار إلى أن نسف مليشيات الحوثي للاتفاق الأممي دفع الحكومة المعترف بها لتحويل دفع الإيرادات إلى البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن كشرط رئيس لحصول أي سفينة لتصريح الدخول إلى ميناء الحديدة.
لكن مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيا، حسب العامري، منعت التجار المستوردين في مناطق سيطرتها من دفع إي إيرادات للبنك المركزي في عدن، وتمنع تفريغ أي سفينة في ميناء الحديدة تابعة لأي تاجر التزام بالقرارات الشرعية.
وأضاف: أن افتعال الأزمات باتت سياسة حوثية متجذرة ترمي من خلالها تحقيق أهداف مختلفة منها الضغط على الأمم المتحدة عندما تصبح الطوابير بالآلاف أمام المحطات في صنعاء وغيرها من المحافظات.
ويعمد الحوثيون على حشد أنصارهم للتظاهر اليومي أمام مقرات الأمم المتحدة بزعم السماح للسفن بالدخول إلى ميناء الحديدة، وبدورها تضغط الأمم المتحدة على الحكومة اليمنية لإدخال سفن إسعافية.
ووفقا للعامري، فأنه لدى دخول سفن النفط الاسعافية هذه لا تكتف مليشيات الحوثي بنهب أموال الضرائب والعائدات الحكومية لتمويل خزينتها الحربية، لكنها تذهب في تغذية الأسواق السوداء وبيعه بأسعار مرتفعة.
واستشهد العامري بالحرائق المتكررة لمستودعات الوقود التي تخصص لتغذية السوق السوداء التي يديرها كبار القادة الحوثيين حيث "لا يمكن لأي شخص أن يبيع المواد في السوق السوداء إلا إذا كان لديه أحد قادة الحوثي كظهر يحميه"، حد تعبيره.
وتملأ السوق السوداء شوارع صنعاء ويصل سعر صفيحة البنزين فيها إلى 75 دولارا وهو أغلى سعر في العالم.
دروب الاتحاد.. شريان آخر للسوق السوداء الحوثية
بشأن الآلية التي تعتمدها مليشيات الحوثي عبر المنافذ البرية، أوضح أن لدى وصول الناقلة تقوم شركة النفط بصنعاء الخاضعة للمليشيات، بتوزيعها على المحطات بكشوفات تجارية وتقوم بتحويل المبالغ للبنك المركزي غير المعترف به بصنعاء والذي بدوره يقوم بعمل المصارفة ومحاسبة التجار عبر لجنة المدفوعات.
وقال إن الإجراءات التي كانت تمارسها شركة النفط الحوثية دفع ملاك المحطات التجارية مع نقابة النقل الثقيل لتأسيس شركة عرفت بـ"دروب الاتحاد" استهدفت تنظيم الاستيراد البري وتطبيق آلية عادلة للتوزيع.
وكشف العامري، عن أن مليشيات الحوثي استحوذت مؤخرا على شركة "دروب الاتحاد"، وقامت باعتمادها وكيلا حصريا للاستيراد عبر الموانئ في المناطق المحررة ثم تصل برًا بالناقلات إلى مناطق المليشيات الحوثية لتوزيعها.
وأشار إلى أن ناقلات هذه الشركة التي أصبحت غطاء لتجار ونافذي المليشيات الحوثية هي وحدها من يتم السماح لها عبر المنافذ البرية فيما يتم عرقلة إدخال أي ناقلة تابع لتجار آخرين غير موالين للانقلابيين رغم تخفيض أجور النقل وهامش أرباحهم إلى النصف.
ولفت إلى أن هذه الشركة تحولت إلى شريان آخر لتغذية السوق السوداء حيث لا تقوم بتوزيع الكميات بالكامل في المحطات التجارية ويذهب الجزء الأكبر من كميات الوقود إلى السوق السوداء لبيعه بأسعار مضاعفة.
شركة النفط الحكومية والتجار
بعيدا عن الأزمات الحوثية في مناطق سيطرتها شمال وغرب اليمن، لاتزال مناطق الحكومة المعترف بها جنوب وشرق البلاد هي الأخرى تعاني من ارتفاع أسعار الوقود.
يؤكد العامري، إن شركة النفط اليمنية (عدن) منذ تعيين المهندس عمار العولقي، مدير عام تنفيذي على رأسها، في ديسمبر أخر العام الماضي بقرار جمهوري ساهمت بشكل كبير في مواجهة الانفلات والاختلالات.
وأوضح أن الحكومة اليمنية سعت تدريجيا لتنظيم سوق الوقود، حيث تبع الإصلاحات بشركة النفط إتخاذ قرار رقم 30 بحصر توزيع المشتقات النفطية على شركة النفط فقط وأوقفت التجار من التوزيع المحلي.
وجه القرار ضربة للتجار التي وقفت خلف الاختلالات ولازالت تحاول المقاومة إلا أن الأمر أصبح واقعيا وبدأ بعض التجار قبول الآليات التي تعمل بها شركة النفط لتوفير المشتقات بالكامل وتوحيد السعر في أغلب المحافظات المحررة.
كما حاولت توفير المواد للمواطنين في مناطق سيطرة المليشيات الحوثية وحاولت الشركة أن تبتعد عن المماحكات السياسية وتعمل بشكل مهني وخدمي متكامل لتوفير المواد للمواطن بالأسعار العادلة، ويتم بيع المواد لصنعاء بنفس سعره في عدن، وفقا للمسؤول في شركة النفط.
وحول تداعيات الحرب الأوكرانية على سعر المشتقات النفطية في اليمن، أكد العامري، أنها انعكست على العالم أجمع لكن تأثيرها على البلاد أكثر وطأة لأننا نعيش في مرحلة حرب أصلا، فضلا عن الرسوم الباهظة للتأمين على السفن، والتي تدفع على كل طن من وزن الحمولة وقد تخطت حاجز الـ1000 دولار أمريكي.