يمتلك قادة الإمارات القدرة الجيدة على قراءة الواقع واستشراف المستقبل والقدرة على التعامل مع المشكلات بمعطياتها المختلفة.
لذلك أدركت الإمارات أن التنمية الشاملة والمستدامة في الشرق الأوسط لن تستمر إلا بعد تغيير المعادلة ليتحول الإقليم من كرة نار مشتعلة إلى واحة من الأمن والاستقرار والتعاون المشترك. ولن يتحقق ذلك في ظل خلافات تشكل عائقًا أمام استقرار المنطقة.
وهو ما عبّر عنه التحول الاستراتيجي في سياسة دولة الإمارات من التعاطي المباشر والحازم مع الأزمات والمشكلات الإقليمية إلى سياسة "إطفاء النيران" و"احتواء الجميع" أو "تصفير المشاكل"، كما أطلق عليها الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
فبعد أكثر من عقد من التحديات والصراعات الإقليمية، أدرك قادة الإمارات أنه آن الأوان لهذه المنطقة الملتهبة أن تلتقط أنفاسها وتبدأ مرحلة جديدة تقوم على التعاون والتفاهم وبناء جسور الثقة والاستقرار.
أبرز الخطوات إلى ذلك كانت في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عندما قام الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بزيارة إلى تركيا هي الأولى منذ عام 2012، في إشارة إلى أن المنطقة ستبدأ عهداً جديداً في التعامل مع أزماتها.
هذه الزيارة كانت سبباً في تحول كبير في سياسة أنقرة تجاه المنطقة، وخطوة مهمة في سبيل الحد من النفوذ التركي الطامح والطامع، لتبدأ بعدها تركيا في عملية ترميم لعلاقاتها المتوترة بدول المنطقة مثل مصر والسعودية.
بعدها بأيام قليلة وتحديداً في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021، أجرى الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان نائب حاكم إمارة أبوظبي مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات زيارة "خاطفة" إلى العاصمة الإيرانية طهران، في إشارة إلى أن أبوظبي ماضية نحو "تصفير خلافاتها" مع جيرانها، بمن فيهم إيران التي لطالما كان سلوكها الإقليمي في لبنان وسوريا واليمن والعراق محل تحفظ واستياء كبير للدول العربية.
إلا أن المبادرة العربية بقيادة الإمارات نحو طي صفحة الخلافات وبداية عهد جديد، قد نقلت الكرة إلى ملعب إيران التي ينتظر منها الجميع تحولاً في سياستها تجاه جيرانها.
استطاعت الإمارات -كذلك- مد جسور التواصل مرة أخرى مع سوريا التي تخلى عنها الجميع، ووقعت فريسة لنفوذ دول غير عربية، وباتت تقود المعسكر العربي المنادي بضرورة عودة دمشق مرة أخرى إلى محيطها العربي.
ومن هذا المنطلق، كانت دولة الإمارات أول دولة عربية يزورها الرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2011، فيما تبذل أبوظبي جهوداً كبيرة من أجل عودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية في القمة التي ستعقد في الرياض في 19 مايو/أيار المقبل.
مسيرة التنمية والازدهار التي حققتها دولة الإمارات على مدار الخمسين عاماً الماضية، قادتها لأن تصبح قوة إقليمية فاعلة ورقماً مهماً في معادلة صناعة القرار في منطقة الشرق الأوسط، لذلك أعتقد أن النهج السياسي لدولة الإمارات القائم على تجنب الانخراط في المشاكل وإنهاء الصراعات والتركيز على الشق الاقتصادي والتنموي سيؤدي إلى حالة من الهدوء الإقليمي بعد أكثر من عقد على أزمات عاصفة أنهكت الجميع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة