يتساءل كثير من المراقبين عن التسارع حول إعادة العلاقات مع سوريا، وكذلك عن أهداف المملكة العربية السعودية من إعادة علاقاتها بصورة سريعة مع النظام السوري، الذي ليس لديه شيء يعطيه للعالم، سوى ملايين المباني المهدمة والاقتصاد المنهار، وملايين الجوعى والمعدمين
بداية يمكن القول إن دبلوماسية المملكة عُرفت على الدوام بأنها لا تتخذ قراراتها إلا بعد خطوات مدروسة جيداً، تأخذ في الاعتبار أولاً احترام قرارات الشرعية الدولية، كما تداخلت ظروف كثيرة جعلت من التطبيع مع سوريا أمراً ضرورياً للمنطقة بأكملها، في وقت تقاطعت فيه مصالح القوى العظمى في أماكن، وتصادمت في أماكن أخرى، وبات الانقسام العربي والرهان المطلق على المحور الأمريكي أمراً لا بد من التوقف عند أسبابه ومآلاته.
طوال هذا الأسبوع وخلال نقاشات مطولة هنا في واشنطن بجوار الكابيتول، كانت القراءة الأمريكية للتطبيع العربي مع سوريا تتلخّص في عدة أسباب، أذكرها لاحقا، لكن لا بد من التوقف عند استغراب بعض أعضاء الكونغرس بل ومعارضة بعضهم سرعة هذا التطبيع.
الغرب لديه تعجب كبير من هذا الموقف، انطلاقاً من أجندته التي ترتبط بملف حقوق الإنسان في سوريا، وهي معروفة للجميع، فضلاً عن وجود دول عربية لا تزال ترفض عودة سوريا إلى الجامعة العربية وفي مقدمتها قطر.
وفي قراءة معمّقة لأسباب الانفتاح العربي لعودة سوريا إلى الحاضنة العربية، يمكن تلخيصها في النقاط الآتية:
أولاً: الموقف السياسي الحازم لسمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بضرورة اعتماد دول الخليج على نفسها وابتعادها عن القرارات والمصالح الأمريكية في هذا الشأن. والمملكة هنا لا تغفل أبداً إعمال القوانين والقواعد والأعراف الدولية التي تنظّم العمل بين الدول، فالمصالح المشتركة مع الولايات المتحدة لا يمكن للطرفين الاستغناء عنها، كونها تصب في الأساس في استقرار المنطقة وأمنها الذي تهدده أحداث جيوسياسية، تتجدد كل فترة، وليست أحداث السودان اليوم بدعاً من هذا التحليل.
ثانياً: على الدوام كانت المملكة تنادي بما يُسمى "الاستقرار الضروري للنماء والازدهار والتقدم"، وهي تطمح اليوم إلى تصفير المشكلات الإقليمية، فلديها مشروع تنموي يختص برؤيتها 2030.
فخفض التصعيد يخدم المنطقة، وأيضاً التنسيق الأمني سيجعل من الصراعات الإقليمية منعدمة إلى حد كبير. الغرب لا يسعى للاستثمار في مناطق الحروب، ولا هو قادر على إلغاء الأخطبوط الصيني من المعادلة، بالإضافة إلى أن المنطقة العربية عرضة للأخطار الاستراتيجية بنسبة مرتفعة جدا، مقارنة بجميع مناطق العالم الأخرى.
لا فائدة من عدم الحياد، وسط صراع على الهيمنة بين أقطاب متعددة، قد يجعل بعضها تعتب عليك، لكنها قطعاً ستعطيك العذر، فكل محور من تلك المحاور يبدو اليوم وقد أنهكته صراعات اقتصادية وتدخلات عسكرية، وفشل تقييمي في أحيان كثيرة، فلا هي قادرة على فرض أطروحاتها، ولا في نيتها الانتقام من الأصدقاء بسبب حيادهم.
ثالثاً: لطالما سعت المملكة نحو تقديم الدعم الإغاثي والإنساني إلى جميع دول العالم جراء الكوارث الواقعة فيها، خاصة محيطها العربي والإسلامي، عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، وهي هنا تأمل في توفير الطريقة المناسبة، لوصول المساعدات وإيجاد الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين لمناطقهم في بلد أصبح مقسماً بين محاور متصادمة تبدأ بالنفوذ الروسي والأمريكي والإيراني وحتى التركي، ولا تنتهي عند فصائل متناحرة مثل (قسد) وغيرها، هذا إذا ما استثنينا النفوذ العسكري الإسرائيلي الذي لا قدرة لكل الدول المذكورة على إغفاله كعامل أساسي في الأجواء السورية.
رابعاً: بات النفوذ الصيني متجاوزاً القدرات الأمريكية في مناطق عديدة، وباتت الصين قادرة على إعطاء ضمانات أمنية تمتنع أو تتلكأ الولايات المتحدة في إعطائها لأصدقائها العرب.
وعندما تدرج الصين سوريا فيما يُسمى "مبادرة الحزام والطريق" فقد يكون للتداخلات الاقتصادية بين العرب وإيران الكثير مما يمكن الحديث حوله مستقبلاً، وقد يُسهم ذلك في مد جسور اقتصادية قد لا يكون الغرب بمنأى عنها، وتصب في مصلحة معظم دول العالم خصوصاً الفقيرة منها.
أخيراً: تسعى الدول العربية وكذلك السعودية إلى البحث عن بيئة اقتصادية واستقرار إقليمي لا تنهكه الحروب والصراعات التي عطّلت التنمية في الدول الغنية، وقضت على كل الموارد في الدول الفقيرة، فلا العمل المسلح بات ذا فائدة في سوريا بعد التدخل العسكري الروسي، ولا إمكانية مستقبلية لمواجهة الصين إن هي تدخلت سياسياً في الشأن السوري، ولا سوريا قادرة وحدها على الخروج من هذه الأنفاق التي دخلت فيها، ويبقى الرهان على أن تستطيع السعودية والجامعة العربية إعادة سوريا إلى كل السوريين بعد سنوات من العذاب والآلام والصراعات التي ليتها لم تحدث.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة