خلال الأسبوعين الأخيرين؛ بدت سوريا على غير ما كانت عليه لسنوات مضت.
على المستويات الثنائية، جاءت زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الرياض والقاهرة والجزائر وتونس على مستوى المائدة العربية بصيغة مصغرة، كانت عنوانا وحيدا على طاولة لقاء مدينة جدة التشاوري لوزراء خارجية مصر والعراق والأردن مع نظرائهم من دول الخليج العربية الست.
هذه التحركات ورغم أهميتها لسوريا، إلا أن العيون ظلت تترقب التحول الأهم على صعيد علاقات الرياض بدمشق، فجاءت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لسوريا تجسيدا لتحول جذري في صيغة العمل العربي المعني بمعالجة الملف السوري.
طي صفحة الخلاف والخصومة قد حصل، المقاربات الجديدة من جانب الرياض للوضع السوري تنطلق من تصورات واضحة ومعلنة وتستند إلى مبادئ أساسية التقى عندها العرب، تأسيسا لعلاقات تخدم الجميع ومن دلالات معنوية متعلقة بتوسيع دائرة الاحتضان العربي لسوريا دولة وشعبا على قاعدة التفاعل والتفاهم واحترام كل طرف لمصالح الطرف الآخر .
النهج السياسي العربي الذي دشنته الإمارات منذ عام 2018 تجاه سوريا والذي يتوسع حاليا، يعكس بوضوح نمطاً دبلوماسياً حديثاً للعلاقات العربية بين دولها من جانب، ومع العالم برمته من جانب آخر، وقد أمْلَته متغيرات كبيرة منها ما فرضته الحرب الروسية الأوكرانية على مشهد العلاقات الدولية، ومنها ما حفّزته تحولات إقليمية نابعة من إدراك تماثل المصالح وتقاطعها بين دول الإقليم.
الانفتاح العربي والتقارب الحاصل مع دمشق ينطوي على كثير من المحددات المتعلقة بهذه السياقات السياسية المتضمنة أيضا قيم الأخوة والإسناد والإسهام في توفير سبل الخلاص السوري.
السؤال الذي أنتجه المناخ العربي الراهن: أيُّ ضَيْرٍ على سوريا وعلى العرب في حال أعادوا تأسيس علاقاتهم على قواعد المصالح المتبادلة والنفع والانتفاع؟.
الملف السوري يبدو اليوم ملفا مفتاحياً للعرب وبيد العرب لبسط الحضور وتوسيعه على الساحات الإقليمية، إيران وتركيا، والدولية مع موسكو ومع واشنطن والغرب على حد سواء، دورهم في معالجة الملف السوري سيفسح المجال ليكونوا محط استقطاب؛ بالنسبة لإيران وبعد الاتفاق مع السعودية بات من الممكن للعرب تحويل الملف السوري إلى عامل تعزيز للعلاقات مع طهران، وبالنسبة لتركيا فإن الموقع الجيوسياسي لسوريا كونها عقدة مواصلات تربط آسيا بأوروبا عبر البوابة التركية فبإمكان العرب الاستثمار في العلاقات المزدوجة مع دمشق وأنقرة تجاريا وسياسيا بعد أن تنامت علاقات تركيا مع العواصم العربية بشكل إيجابي وكبير ، مما يؤهل الجانب العربي للعب دور مباشر لإنهاء الخصومة بين الجارين راهنا ولاحقا، سواء بقي أردوغان في الحكم، أو وصل معارضوه إلى السلطة.
أما بالنسبة لروسيا فإن الانخراط العربي في الملف السوري والعمل على معالجته سيكون مهما وذا فائدة استراتيجية لموسكو التي تسعى لتكوين منصة عربية شاملة لدعم سوريا، لأنها ستخفف عنها أعباءً كبيرة في مواجهة تطورات الموقف في أوكرانيا ضد واشنطن والناتو، وللقول بأنها حققت انتصارا سياسيا في الملعب السوري، في حين يبقى الاستثمار السياسي العربي في الملف السوري مفيدا ومهما في إضافة عنصر تفاعلي للعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن برهن العرب على نهج استقلالي في الخيارات السياسية والاقتصادية على المسرح الدولي.
انتهجت الدبلوماسية العربية مؤخراً سبيلا تصالحيا فيما بينها ومع القوى الإقليمية، إيران وتركيا، ونزعت الألغام والتعقيدات من طرق التلاقي، ورسخت علاقاتها مع بكين وموسكو، وأسهمت في صياغة معادلة محكمة قائمة على توازن المصالح مع القوى الكبرى اقتصاديا وسياسيا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك استجمعت عناصر قوة متينة ومؤثرة للتعاطي مع أي ضغوط أو تحديات طارئة محتملة في جميع الملفات ومن بينها الملف السوري، وبالتالي بات بالإمكان توظيف تلك الأوراق، العربية والإقليمية والدولية، لمصلحة سوريا عندما يتعلق الأمر بعلاقاتها مع الغرب وحتى مع واشنطن في مراحل لاحقة بعد إنضاج حل عربي لسوريا يحفظ وحدتها وسيادتها واستقلالها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة