زيارة وزير الخارجية السعودي لسوريا.. رسائل ودلالات
"تحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها(...) وتساهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي به".
هدف واضح وضعته السعودية نصب أعينها، ساعية إلى تحقيقه في أسرع وقت، عبر جهود متواصلة تقوم بها على مدار الفترة الماضية، كان أحدثها قيام وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة إلى سوريا اليوم الثلاثاء، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
وخلال الزيارة بحث وزير الخارجية السعودي في سوريا "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي".
وتأتي الزيارة بعد أيام من مبادرة سعودية باستضافة اجتماع وزاري تشاوري بجدة شارك فيه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق وتصدر أجندته أيضا بحث "التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، بما يحقق الخير لشعبها".
كما تأتي الزيارة بعد أقل من أسبوع من زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى المملكة العربية السعودية، 12 أبريل/نيسان الجاري، بعد أيام من زيارته لمصر، أعقبها قبل يومين بزيارة الجزائر ومنها انتقل إلى تونس في زيارة بدأت أمس الإثنين وتستمر حتى يوم غد الأربعاء، ضمن حراك عربي لإعادة سوريا لحاضنتها العربية بدأته دولة الإمارات العربية المتحدة باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في مارس/ آذار 2022 و2023، ثم زيارته لسلطنة عمان فبراير/ شباط الماضي.
زيارة هامة
ووصل الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله وزير الخارجية السعودي، اليوم الثلاثاء، إلى سوريا.
وقالت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أن الزيارة تأتي "في إطار ما توليه المملكة العربية السعودية من حرص واهتمام للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق".
وعقب وصوله، التقى وزير الخارجية السعودي، الرئيس السوري بشار الأسد.
وجرى خلال اللقاء، مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية يحافظ على وحدة سوريا، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.
وبحث الجانبان "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي".
وأكد وزير الخارجية السعودي، للرئيس السوري، "أهمية توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية".
دلالات ورسائل
زيارة وزير الخارجية السعودي، الذي تستضيف بلاده القمة العربية القادمة مايو/ أيار المقبل، لسوريا وبما تحمله دبلوماسيتها من أهمية وثقل على الصعيدين الإقليمي والدولي، تحمل رسائل ودلالات هامة من أبرزها ما يلي:
- قيام وزير الخارجية السعودي بتلك الزيارة التي تعد الأولى من نوعها منذ عام 2011 يحمل رسالة دعم واضحة لجهود بدأتها دولة الإمارات تستهدف عودة سوريا لحاضنتها العربية .
-قيام وزير الخارجية السعودي بتلك الزيارة قبيل شهر من استضافة المملكة القمة العربية المقرر عقدها 19 مايو/ أيار المقبل ، يعزز توقعات عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية بعد تعليق عضويتها بها منذ عام 2011، أو اتخاذ خطوة جدية على هذا المسار في تلك القمة.
-ستسهم زيارة وزير الخارجية السعودي لسوريا، والتي استبقتها زيارة للشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي لسوريا في 12 فبراير/ شباط الماضي، في تشجيع مزيد من الدول العربية على إجراء زيارات مماثلة على طريق إعادة تطبيع العلاقات مع سوريا واستئناف العلاقات العربية معها على نطاق أوسع، الأمر الذي يسرع جهود عودتها إلى حاضنتها العربية ودعم حل سياسي شامل لأزمتها.
- ستسهم زيارة وزير الخارجية السعودي لسوريا، في تشجع نظام الرئيس بشار الأسد على الانخراط في تسوية سياسية شاملة للأزمة التي تعاني منها بلاده منذ 2011.
- تطبيع العلاقات مع سوريا عبر تلك الزيارة وغيرها من الزيارات العربية المرتقبة لسوريا سيسهم في التوصل إلى حلول من شأنها استدامة الدعم الإنساني لسوريا في الظروف الراهنة.
- ستسهم زيارة وزير الخارجية السعودي لسوريا في حلحلة مواقف الدول الممانعة حتى الآن لعودة سويا إلى الجامعة العربية.
العلاقات السعودية السورية.. أبرز المحطات
وإثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا التي ما لبثت أن تحولت إلى نزاع دام في 2011، قطعت دول عربية عدة على رأسها السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق.
ومع إطالة أمد النزاع وارتفاع تكلفتها السياسية والإنسانية، قادت الإمارات في السنوات الأخيرة جهودا لإعادة سوريا لحاضنتها العربية، مؤكدة أن الحل السياسي هو الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، وشددت على أهمية إيجاد دور عربي فاعل في جهود الحل السياسي ومساعدة سوريا في العودة إلى محيطها العربي.
وترجمت دولة الإمارات هذا التوجه بالفعل على أرض الواقع عبر أكثر من محطة، بدأتها دبلوماسيا بإعادة افتتاح سفارتها في دمشق ديسمبر/كانون الأول 2018، وتوجته باستقبال الرئيس السوري بشار الأسد في مارس/ آذار 2022، في أول زيارة لدولة عربية منذ 11 عاما، قبل أن تستقبله مجددا في مارس/ آذار الماضي، بعد نحو شهر من زيارته سلطنة عمان 20 فبراير/شباط الماضي، ضمن خطوات تقارب سوري عربي شهدتها الفترة القليلة الماضية، دشنتها أبوظبي، وتسارعت وتيرتها بعد الزلزال الذي ضرب سوريا.
تلك الجهود أسهمت في تهيئة مناخ عربي داعم لعودة سوريا إلى حاضنتها العربية، وخصوصا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد 6 فبراير/ شباط الماضي.
وظهر الانفتاح السعودي تجاه دمشق بعد الزلزال بهبوط طائرات مساعدات سعودية في سوريا، هي الأولى منذ قطع الرياض علاقاتها مع دمشق.
ولكن استعادة العلاقات السورية السعودية لم يكن بطبيعة الحال وليد تلك اللحظة، إذ سبقته خطوات عملية، بدأتها روسيا عام 2015 التي دخلت على خط الوساطة.
وتداولت وسائل الإعلام وقتها لقاء جرى ترتيبه في جدة بين رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، ومسؤولين سعوديين، دون أن تخرج أي بيانات رسمية عن الجانبين تؤكد أو تنفي هذه التقارير.
المحاولات الروسية لإعادة الزخم للعلاقات بين الدول العربية وسوريا لم تتوقف، وأعلن المسؤولون الروس عن هذه المحاولات ورغبتهم في عودة سوريا للجامعة العربية، لكن هذه المحاولات بقيت حبيسة الغرف الدبلوماسية دون إحراز أي تقدم يستدعي الإعلان عنه رسميا.
وظلت العلاقات السعودية السورية تسير بخطى بطيئة مهدت لها زيارات رسمية لوزراء ومسؤولين سوريين شاركوا بمؤتمرات أقيمت في السعودية وسعى كلا الجانبين لإبعاد الصبغة السياسية عنها.
وواكب الانفتاح السعودي الإنساني على سوريا عقب الزلزال، رسائل دبلوماسية إيجابية.
ففي 19 فبراير/ شباط الماضي، أكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، أن الحوار مع سوريا مطلوب، مشددا على أنه لا جدوى من عزلها.
وفي 8 مارس/ آذار الماضي، قال بن فرحان إن زيادة التواصل مع سوريا ربما تمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية.
وجدد الوزير السعودي التأكيد أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا "لا يجدي"، وأن الحوار مع دمشق "ضروري"، خصوصاً لمعالجة الوضع الإنساني هناك.
وفي 23 مارس/ آذار من الشهر نفسه، قال التلفزيون السعودي الرسمي، إن الرياض "تجري محادثات مع سوريا لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية".
وفي 12 أبريل/نيسان الجاري، وفي أول زيارة رسمية إلى السعودية منذ بدء القطيعة، زار فيصل المقداد وزير الخارجية السوري جدّة، حيث بحث مع نظيره السعودي "الخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتساهم في عودة سوريا الى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي".
وأعرب الجانبان عن ترحيبهما ببدء إجراءات استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.
وفي 14 من الشهر نفسه، استضافت المملكة اجتماعا وزاريا تشاوريا بجدة شارك فيه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق وتصدر أجندته أيضا بحث "التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ينهي كافة تداعياتها ويحافظ على وحدة سوريا، وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي، بما يحقق الخير لشعبها".
وتضمن البيان الختامي رسم خارطة طريق شاملة من 10 بنود تتضمن الأبعاد الإنسانية والسياسية والدبلوماسية لإعادة سوريا لمحيطها العربي.
الاجتماع تضمن بشكل واضح وضع قواعد وأسس حل عربي للأزمة السورية عبر التأكيد على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ليس هذا فحسب بل ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور.
وفي خطوة عملية لتنفيذ مخرجات الاجتماع الذي دعا إلى دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة السورية ، أجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان زيارة إلى سوريا اليوم الثلاثاء، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
زيارة تعد خطوة هامة نحو تفكيك إحدى أبرز الأزمات العربية المتواصلة منذ أكثر من عقد ، ضمن جهود سياسية تشهدها المنطقة لتصفير الأزمات ودعم استراتيجية السلام والتنمية.
مواقف عربية متتالية تدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية، تسارعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، تثبت جميعها صواب الرؤية الإماراتية التي كانت سباقة في اتخاذ خطوات دبلوماسية وسياسية وإنسانية لدعم عودة سوريا لحاضنتها العربية.