مذ وُضِعَ ميثاق الجامعة العربية عام 1945 أكّد أنَّ الدول العربية عائلة واحدة متحدة في الآلام والآمال.
أكد -كذلك- أنَّ كل الظروف والمحن والخلافات التي قد تطرأ بين أفرادها -مهما بلغت أو اشتدّت- لا ينبغي لها أنْ تَفصِمَ عُرى الارتباط العضوي فيما بينها، على مبدأ الفصل التام بين ما من شأنه تفريق الشمل لحسابِ ما من شأنه لَمّه، والتبحُّر بالبصائر المُتقدة إلى النقاط المضيئة في خضم المِحَنِ والأزمات، ولعل الأزمة السورية خير دليل على هذا الميثاق المتجذر في أدبيات الأسرة العربية.
فرغم الخلافات الكثيرة التي أحاطت بالملف السوري المُعقّد؛ جراء تداخله بالملفات الإقليمية والدولية الأشد تعقيداً، الذي فرضه الواقع المأزوم داخلياً وخارجياً في سوريا، إلّا أنه لم يستطع -أي الواقع المعقد- أنْ يفرِضَ تخلي الأسرة العربية عن أحد أفرادها وهدم كل الجسور فيما بينها.
فنجدُ على سبيل المثال أنَّ دولة الإمارات العربية المتحدة منذ اشتعال الساحة السورية عسكرياً وسياسياً، وعلى الرغم من كل الخلافات حاضرةً إنسانياً إلى جانب الشعب السوري لنجدته عند كل مَفزَعٍ، كالإفراج عن الأموال في الأزمات كما حدَثَ إبان جائحة كورونا، ومن بعدها في مشاركة الشعب السوري مُصابه على وقع الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد قبل أشهر.
وهبّت كل الدول العربية لمساندة الأشقاء في سوريا، بالإضافة إلى المساعي السياسية والدبلوماسية الدائمة والدؤوبة من أجل فتح الطرق بين الفرقاء الداخليين والخارجيين أمام الحوار البنّاء وخلق الظروف المناسبة للحلول السلمية والسياسية المستدامة للقضية السورية، وهو ما تؤكد عليه كل الدول العربية رافضة التخلي عن أمن واستقرار واستقلال سورية ووحدة أراضيها، فهل ستعودُ سوريا إلى محيطها العربي؟
سؤالٌ إجابته حاضرة دوماً ومنذ اليوم الأول لاضطراب الأوضاع في سوريا، مفادها: أنّ سوريا ستعودُ إلى مكانها الطبيعي بين أشقائها العرب، عاجلاً أم آجلاً، لكن عودتها في هذه المرحلة باتَت ضرورةً مُلِحَّةً للأسبابِ الآتية:
أولا: أسباب تتعلق بالواقع السوري، فمع اشتداد وطأة الأزمة السورية على البلاد سياسياً واقتصادياً، ومحاولة جميع الأطراف الفاعلة على الأرض فرض أجنداتها ومصالحها على حساب سورية والسوريين، مما أثقل كاهل البلاد والعباد يبقى طوق النجاة العربي هو الملاذ الآمن الذي لا يمكنُ أنْ تدخل في حساباته المصالح على حساب الأشقاء، لارتباط الأشقاء جميعاً بالمصير الواحدِ أملاً وألماً.
ثانياً: أسباب تتعلق بالواقع الإقليمي، فمع احتدام الصراعات الإقليمية وتداخل الملفات الأمنية والسياسية فإنَّ أي تخلخلٍ في الصف العربي يخلق ثغرةً خطيرةً لتمرير كل الملفات الإقليمية على حساب أمن الدول العربية صاحبة الثقل الأكبر في الإقليم إنْ تراصت صفوفها، ما يفرض رص الصفوف وترتيب البيت الداخلي العربي ليتمكن من الصمود وفرض متطلبات أمنه واستقراره على الجميع.
ثالثاً: أسباب تتعلق بالواقع الدولي: الحسابات السياسية والعسكرية الدولية إنما تنطلقُ من الوقائع المحلية والإقليمية في التعاطي مع الملفات القائمة في أي بلدٍ أو إقليمٍ، وتخلخل الصف العربي يجعل التوازن الدولي مضطرباً في التعاطي مع الملفات التي تمسه، أما إنِ اتزن الموقف العربي الموحد فإنه يحضر بقوة في حسابات التوازنات الدولية ويفرض ثوابته ومبادئه الاستراتيجية على أي موقف دولي تجاه قضاياه.
لذلكَ كله ولأنّ التقارب العربي هو الأصل والخلاف هو العارض الزائل، ولأنَّ المصير العربي متحدٌ باتحادِ استقراره وأمنه، ولأنّ الدول العربية الفاعلة كدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية لا تدخر جهداً في لم الشمل العربي، والتي تعمل بجدٍّ وبنيّةٍ صادقةٍ لإعادة الرونق واللمعان والثبات إلى البيت العربي، وحصر الحلول العربية-العربية بين أروقته الدافئة المفعمة بالأخوة والمشاعر الصادقة؛ فإنَّ الأوان قد آنَ لأنْ نقول: سوريا إلى محيطها العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة