الذكرى الـ30 لتحرير الكويت.. مواقف رائدة وعبر خالدة
تحتفل الكويت، الجمعة، بالذكرى الـ30 للتحرير، وهي تستذكر بفخر واعتزاز بطولات قيادتها وشجاعة أبنائها والوقفة الصادقة للدول الشقيقة.
ويستلهم الكويتيون من ذكرى التحرير العديد من الدروس المستفادة التي تعينهم في النهوض بالحاضر والتطلع للمستقبل، معربين عن فخرهم في الوقت ذاته بالإنجازات التنموية التي شهدتها بلادهم بعد تحريرها، مؤكدين وقوفهم خلف قيادتهم ممثلة في أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، ودعم جهودهما المتواصلة للحفاظ على استقرار الكويت وتحقيق الخير والازدهار لأبنائها.
دروس مستفادة
أول تلك الدروس الثقة في القيادة التي ناضلت حتى إتمام التحرير، وهو ما يظهر جليا خلال الفترة الحالية في الالتفاف الشعبي حول أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح.
الدرس الثاني هو إعلاء قيم التسامح، وهو ما ظهر في محاولة طي صفحة الماضي ومد يد التعاون مع العراق.
وارتكزت سياسة الكويت الخارجية تجاه العراق عبر التعامل مع شعبه بأنه كان مغلوبا على أمره وهو ضحية للنظام الحاكم وقتها.
الدرس الثالث العزيمة والإرادة على تخطي المحن، وهو ما يظهر حاليا في الجهود الكويتية لمواجهة التحديات التي تواجهها البلاد في ظل انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد، وتراجع أسعار النفط.
الدرس الرابع أهمية تحقيق التضامن الخليجي والعربي، حيث كان هناك دور خليجي عربي بارز في دعم ومساندة الكويت لتحقيق التحرير، ويظهر جليا حاليا الدور البارز التي تقوم به الكويت في تفعيل روابط الأخوة الخليجية، بعد نجاح وساطتها في تعزيز الحوار الخليجي، والنهوض بالتضامن العربي، وتم تتويج ذلك في بيان العلا الصادر عن القمة الخليجية 41 التي عقدت في مدينة العلا السعودية 5 يناير/كانون الثاني الماضي.
وتتويجا لتلك الجهود، التقى وفدان رسميان يمثلان الإمارات وقطر في الكويت، 22 فبراير/شباط الجاري، ثم وفدان من مصر وقطر في اليوم التالي، وذلك في أول اجتماع يعقد بين الجانبين لمتابعة بيان العُلا.
مواقف لا تنسى
تلك الدروس يضعها الكويتيون نصب أعينهم وهم يستعيدون ذكرى الغزو قبل 30 عاما.
ففي فجر الثاني من أغسطس/آب 1990، قام النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين بإعطاء الأوامر لقواته العسكرية بدخول الأراضي الكويتية واحتلالها، في محاولة منه لإسقاط الشرعية عن قيادتها وطمس سيادتها وهويتها المستقلة.
ومنذ اللحظات الأولى للغزو، أعلن المواطنون الكويتيون رفضهم للعدوان، ووقف أبناء البلد في الداخل والخارج إلى جانب قيادتهم الشرعية للدفاع عن الوطن وسيادته وحريته.
كما لم يقف المجتمع الدولي صامتا أمام هذا الحدث الجلل بل أدان الغزو، وأصدر مجلس الأمن الدولي في نفس اليوم القرار رقم 660 الذي طالب النظام العراقي حينها بالانسحاب فورا من الكويت.
كما صدرت الكثير من المواقف العربية والدولية التي تدين النظام العراقي السابق وتطالبه بالانسحاب الفوري وتحمله المسؤولية عما لحق بالكويت من أضرار ناجمة عن عدوانه.
وتجلى الموقف الإماراتي البطولي من الغزو العراقي منذ بدايته في الموقف العظيم للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أكد تمسكه بالشرعية الكويتية، وإدانته الواضحة ورفضه التام لأي مبرر للغزو.
وقد سطر التاريخ بحروف من نور مواقف دولة الإمارات وقيادتها وشعبها في دعمهم ونصرتهم للحق ولدولة الكويت وشعبها، حيث عبر المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عن ذلك بقوله: "إذا وقعت أي واقعة على الكويت فإننا لا نجد من الوقوف معها بدا مهما حدث.. فهذا شيء نعتبره فرضا علينا يمليه واقعنا وتقاربنا وأخوتنا".
وكان الراحل الشيخ زايد، في يوم الثاني من أغسطس/آب 1990 بمدينة الإسكندرية المصرية، عندما جاءت أنباء الغزو العراقي للكويت، فأسرع بإجراء مباحثات عاجلة مع الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، وتوجه عصر اليوم نفسه إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية للتشاور مع خادم الحرمين الشريفين آنذاك الملك فهد بن عبدالعزيز.
وفي صباح اليوم التالي، عاد إلى أبوظبي وأصدر أمراً بإلغاء احتفالات عيد الجلوس الرابع والعشرين الذي يصادف يوم 6 أغسطس/آب، كما كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، من أوائل القادة العرب الذين استجابوا لطلب الرئيس المصري بعقد قمة عربية طارئة لمناقشة الغزو العراقي للكويت.
قيادة المعركة الدبلوماسية
ويستذكر الكويتيون خلال تلك الفترة الإدارة الحكيمة للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح (أمير الكويت آنذاك) والأمير الراحل الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح (ولي العهد رئيس الوزراء آنذاك)، وأمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي كان يشغل حينها منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية.
وقد أدرك الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح منذ اللحظات الأولى نوايا الغزو في الإطاحة بالشرعية الكويتية، فأصر على رفيق دربه أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح الخروج إلى المملكة العربية السعودية للحفاظ على الشرعية الكويتية.
وفي اليوم التالي للغزو، أصدر الشيخ جابر الأحمد أمرا أميريا يقضي بأن تنعقد الحكومة بصفة مؤقتة في السعودية وأن يتولى الوزراء مباشرة أعمالهم.
ووجه كلمة إلى الشعب الكويتي في اليوم الرابع من الغزو العراقي قال فيها "إذا كان العدوان قد تمكن من احتلال أرضنا فإنه لن يتمكن أبدا من احتلال عزيمتنا، وإذا كان المعتدون قد استولوا على مرافقنا ومنشآتها العامة فإنهم لن يستطيعوا أبدا الاستيلاء على إرادتنا".
وشرع الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح بعدها في الاهتمام بتنظيم أوضاع الحكومة الكويتية من المملكة ودعم المقاومة الكويتية والتحرك الدبلوماسي لحشد الدعم والتأييد للحق الكويتي.
ولا ينسى الكويتيون مواقف العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود الذي فتح قلبه قبل أرضه لأبناء دولة الكويت واحتضنهم بكل حب في أراضي المملكة ودافع ماديا وعسكريا لنصرة دولة الكويت.
وعندما تعرضت الكويت إلى الغزو العراقي عام 1990 ساهم الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في القرارات الحاسمة لمواجهة الاحتلال وجند كل الطاقات العسكرية والمدنية من أجل تحرير دولة الكويت وأدى دورا في قيادة المقاومة وتأمين وصول الشرعية للمملكة العربية السعودية إلى جانب قيادته للجيش.
وإبان الغزو، كان أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح يتولى حقيبة الخارجية، وأدت الدبلوماسية الكويتية بقيادته دورا مهما في حشد الرأي العام الدولي لدعم ومساندة الشرعية الكويتية.
ورتّبت الدبلوماسية الكويتية عقد العديد من المؤتمرات التي أسهمت في كسب الرأي العام الدولي الداعم للقضية.
على الصعيد العربي تم عقد مؤتمر القمة العربي الطارئ في القاهرة في 10 اغسطس/ آب 1990، وحمل خلاله الشيخ جابر الأحمد القادة العرب مسؤوليتهم التاريخية تجاه العمل الفوري لإنهاء الاحتلال وعودة نظامها الشرعي إليها.
كما عقد (المؤتمر الإسلامي العالمي) في مكة المكرمة في 10 سبتمبر/أيلول، وشدد فيه الشيخ جابر الأحمد على أن من مبادئ الإسلام وركائز الإيمان، الوقوف مع الحق ورفع الظلم وردع الفئة الباغية خاصة.
كما خاطب في 27 سبتمبر/أيلول 1990 أكثر من 60 رئيس دولة و90 رئيس حكومة ووزيرا وسفيرا في الدورة الـ45 للجمعية العمومية للأمم المتحدة في لحظة تاريخية لقي فيها جل تقدير أعضاء الجمعية.
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه أقيمت أضخم مظاهرة كويتية سياسية منذ الاحتلال تمثلت في المؤتمر الشعبي الكويتي الموسع في جدة الذي جاء تحت شعار "التحرير.. شعارنا.. سبيلنا.. هدفنا"، وكان من بين أهم ما خرج به المؤتمر الرفض القاطع للاحتلال والتمسك بنظام الحكم وتجديد البيعة لأمير البلاد.
وشارك الشيخ جابر الأحمد في 22 ديسمبر/كانون الأول 1990 في القمة الـ11 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي أكدت وقوف دول المجلس مع الكويت وتضامنها معها والتزامها بتنفيذ جميع قرارات مجلس الأمن وإعلان أن علاقات دول المجلس مع دول العالم المختلفة ستتأثر سلبا أو إيجابا بحسب مواقف تلك الدول من تنفيذ قرارات مجلس الأمن.
عاصفة الصحراء
ونجحت الجهود الدبلوماسية في كسب الكويت مساندة دولية، ووقف العالم أجمع مناصرا للحق في وجه الغزو، والذي أثمر في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1990 صدور قرار مجلس الأمن رقم 678 الذي أجاز استخدام كل الوسائل بما فيها العسكرية لتحرير الكويت.
وحدد هذا القرار تاريخ 15 يناير/كانون الثاني 1991 موعدًا نهائيًا للعراق لسحب قواتها من الكويت، وإلا فإن حشود التحالف الدولي بقيادة أمريكا سوف "تستعمل كل الوسائل الضرورية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660".
وقد شهد مطلع شهر يناير/ كانون الثاني من عام 1991 جهودا دبلوماسية مكثفة لمحاولة إنهاء الأزمة دون اللجوء إلى القوة، ومع مضي الأيام ازداد الشعور بحتمية وقوع الحرب.
وتشكل ائتلاف عسكري لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الخاصة بانسحاب القوات العراقية من الكويت دون قيد أو شرط، مدعوما بقوة إيمان دول التحالف بعدالة القضية الكويتية.
وبلغ عدد دول التحالف ما يقارب 32 دولة، ممثلة في 750 ألف جندي من بينهم نحو 500 ألف أمريكي و30 ألف بريطاني و13 ألف فرنسي يضاف إليهم نحو 200 ألف جندي يشكلون الوحدات العربية والخليجية بالتحالف.
وفي 17 يناير/كانون الثاني 1991، بدأت أول غارة جوية شنتها قوات التحالف الدولية إعلانا لبدء عمليات "عاصفة الصحراء" لتحرير دولة الكويت.
ولعبت القوات العربية دورا بارزا في إنجاز مهمة تحرير الكويت وساهمت المملكة العربية السعودية بنصف مجموع قوات مجلس التعاون.
وكان لدولة الإمارات وجيشها الباسل وقفة حازمة إلى جانب دولة الكويت، وسطر أبناء الإمارات بدمائهم الطاهرة ملاحم بطولية في دفاعهم عن الحق والشرعية في حرب تحرير الكويت وبلغ عدد شهداء الإمارات في المعركة 8 شهداء و21 جريحا.
وفي 23 يناير/كانون الثاني 1991 بدأ العراق بعملية صب ما يقارب مليون طن من النفط الخام في مياه الخليج العربي وإحراق آبار النفط في الكويت.
وفي 24 فبراير/شباط من العام نفسه توغلت قوات التحالف فجرا في الأراضي الكويتية والعراقية وقسم الجيش البري إلى ثلاث مجاميع رئيسية حيث توجهت المجموعة الأولى لتحرير مدينة الكويت والثانية لمحاصرة جناح الجيش العراقي غرب الكويت أما الثالثة فكانت مهمتها التحرك في أقصى الغرب والدخول جنوب الأراضي العراقية لقطع كل الإمدادات عن الجيش العراقي.
وفجر 26 فبراير/شباط 1991 اندحر الجيش العراقي من الكويت بعد أن قام بإشعال النار في حقول النفط، ليتم الإعلان عن تحرير الكويت بعد مرور 100 ساعة من انطلاق الحملة البرية.
انتصار الحق
وفي 14 مارس/آذار 1991 عاد أمير الكويت الشيخ، جابر الأحمد الصباح، إلى الكويت بعد أشهر من أداء حكومته أعمالها مؤقتا من السعودية.
وأكد الشيخ جابر الأحمد في كلمة بعد تحرير الكويت أن محنة الكويت كشفت عن الأصالة والعراقة والنبل لجميع قادة دول مجلس التعاون الخليجي وشعوبها "فهؤلاء الإخوة جميعا أثبتوا أن الأخوة والإخاء ليسا كلاما أجوف يردده اللسان بل إيمان راسخ في القلوب يظهر بجلاء عند الشدائد والمحن".
وأشاد أيضا بالدور الكبير الذي قامت به الدول العربية والإسلامية الصديقة في تحرير الكويت وكذلك الأصدقاء الأوفياء بعهودهم الأعضاء في قوة التحالف الدولية الذين وضعوا كل إمكاناتهم من أجل الدفاع عن الحق والقانون والمثل السامية.
وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أول رئيس دولة يزور الكويت بعد التحرير فيما كانت سفارة دولة الإمارات أول سفارة تم رفع العلم عليها بعد التحرير.
aXA6IDMuMTMxLjEzLjE5NiA= جزيرة ام اند امز