وحتى يومنا هذا، لا يقتنع الغرب بأن لديه مشكلة عويصة تستدعي العمل حالاً على منعها أو ترويضها لتكون في صالح الأمن والتعايش السلمي.
عند الحديث عن التطرف يجب علينا مراعاة العديد من الأمور التي تشكل في جوهرها تحدياً عالمياً، فالشاب هنا في الغرب تختلف سرعة ودرجة تطرفه باختلاف البلد وأحياناً باختلاف المنطقة في البلد نفسه، والتجنيد الداعشي على وجه الخصوص يعد الأسرع والأخطر.
وعندما نتحدث عن الخلايا السرية والتجنيد باستخدام الإنترنت وغيرهما نعي مدى صعوبة الكشف عنها ومراقبتها من قبل الجهات الأمنية المختصة.
اليوم يجب أن نتبنى سياسات وقائية تتعدى تدريب رجال الأمن، لتصل إلى المهنيين الاجتماعيين المقربين من هؤلاء الشباب المستهدفين من قِبَل الجماعات الإرهابية، والذين قد يعرفون ما هي علامات التطرف وبالتالي يسهل عليهم اجتثاث العمليات في مراحلها المبكرة.
مَن يعتقد اليوم أنه بإمكاننا إنهاء هذا النوع من التطرف العنيف من خلال المعلومات الاستخبارية فقط فإنه مخطئ، فالعاملون في المجتمع المدني بإمكانهم أيضا خلق موانع عازلة قادرة ليس فقط على الكشف عن مؤشرات مختلفة من التطرف على مستويات منخفضة، ولكن أيضاً العمل على اجتثاث التطرف ومنع الشباب الذي قد يبدأ بالاتصال مع المُنظرين الإرهابيين الذين يجعلون منهم راديكاليين عنيفين مندفعين لارتكاب الهجمات الإرهابية.
اليوم يجب أن نتبنى سياسات وقائية تتعدى تدريب رجال الأمن، لتصل إلى المهنيين الاجتماعيين المقربين من هؤلاء الشباب المستهدفين من قِبَل الجماعات الإرهابية، والذين قد يعرفون ما هي علامات التطرف، وبالتالي يسهل عليهم اجتثاث العمليات في مراحلها المبكرة، ومن ناحية أخرى خلق سرد منطقي وجذاب للشباب، ينقله بعيداً عن الخطاب الراديكالي.
في رأيي، أعتقد أنه من الضروري العمل في آفاق مختلفة، كما أنه يجب أن يكون هناك حد أدنى لتدريب العاملين المدنيين بحيث يمكنهم الكشف عن العلامات المبكرة للتطرف عند الأشخاص الذين من حولهم، وبالتالي يكونون قادرين على التصرف السريع قبل أن يتصاعد التطرف الذي يمكن أن يعاني منه الشخص المستهدف، كما يجب أن تكون هناك برامج جذابة لهؤلاء الشباب الذين تستهدفهم خطابات داعش أو القاعدة، فهذه البرامج تُشكل قوة جذب بديلة عن خطابات العنف والتطرف التي تنادي بها هذه الجماعات.
كذلك يجب أن تكون هناك علاقة سلسة بين القوات والأجهزة الأمنية من جهة والجهات الاجتماعية التي يمكنها الكشف عن علامات التطرف قبل رجال الأمن بحكم احتكاكها المباشر مع هؤلاء الشباب، هذا بالإضافة إلى العمل جنباً إلى جنب في مجالات الطوارئ والتأسيس لعمل مشترك لمساعدة المقربين من الأفراد المعرضين لخطر الانخراط في أعمال العنف بتقديم النصح والمشورة والحماية.
وعلى الرغم من أن التغييرات المتسارعة في قانون العقوبات والقوانين الجزائية في مختلف الدول، جعل تبني الخطاب المتطرف ليس سهلاً ولكن الجانب التشريعي وحده لا يكفي، في المقابل فإنه على المستوى الوقائي، أعتقد أنه يجب أن يتلقى العاملون في الوظائف الاجتماعية قدرا أساسيا من التدريب يتيح لهم معرفة بوادر التطرف على فئة الشباب وعلاماته واتخاذ الإجراء المناسب تبعاً لكل حالة، فالوقاية خيرٌ من العلاج. وأعني بهذه الجهات الاجتماعية: أولئك المختصين في علم الجريمة، وعلماء النفس، والأخصائيين الاجتماعيين، والأطباء والممرضين، وأئمة وخطباء المساجد.
علينا أن نكون واعين وندرك درجة الخطر الناتج عن الإرهاب، ولكن من جانب آخر يجب ألا نسمح لهذا أن يجعلنا نغير أو نتنازل عن حقوقنا وحرياتنا التي قد كلفتنا الكثير لتحقيقها، فالوعي والحس الأمني في كل بلد يبدأ من المواطن.
وحتى يومنا هذا، لا يقتنع الغرب بأن لديه مشكلة عويصة تستدعي العمل حالاً على منعها أو ترويضها لتكون في صالح الأمن والتعايش السلمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة