الندية الكاملة وملء مساحات النفوذ السياسي بروح شابة ووثابة
تعيش مجتمعاتنا العربية والإسلامية حالة غريبة من الصراعات على النفوذ الدولي والتجاذبات الإقليمية والتناحرات الداخلية، أضحت تمثل طابعاً خاصاً له تطوراته وانعكاساته الخطيرة بالأخص خلال العقد الأخير، ولعل من أخطر أدوات كل تلك الأزمات مسألة تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي المدعوم من قبل قوى كبرى لتفتيت تماسك المجتمعات، فلا تكاد أزمة تبرز في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية إلا وتبرز معها الطائفية البغيضة، والمذهبية الممقوتة، واستعمال ذلك من قبل قوى لها أغراض دنيئة بما يزيد من حجم الهوة القائمة.
ولعل من أبرز مظاهر تأجيج البعد الطائفي تلك التصريحات والسياسات والتدخلات الصفوية في كثير من دولنا العربية بحجج مذهبية ذات أغراض سياسية بحتة لا يمكن لنا أن نتجنبها أو نتحاشاها، ولعل اللبس الحاصل بين البعدين الديني والسياسي يمكننا أن نتحاشاه حين نوضح أننا نفرق بين الشيعة كإخوة لنا ومذهب معتمد في مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وبين الثورة الخمينية التي استطاعت أن تستقطب حولها قطاعات من شيعة العرب من خلال نظرية (ولاية الفقيه)، وبسبب تكفير بعض المدارس السلفية لهم.
إذا كنا بصدد مراجعة للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية، والتحفظات التي يطلقها دوماً علماء السُنة في مواجهة ادعاءات الفرس بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب، تلك الدعوات التي تبدو من ظاهرة الدعوة للتسامح، بينما في باطنها محاولات لاختراق المجتمعات السُنية.
ويمكننا التوقف أمامها بطرح تساؤلات منها: أليس الإخوة الشيعة جزءاً أصيلاً من مجتمعاتنا العربية والإسلامية منذ قديم الأزل؟ ولماذا لم تظهر تلك الفتن المذهبية بهذا الشكل الفاضح إلا بعد الثورة الخمينية؟ ألم تعلن إيران أن لحرسها الثوري جيوشاً شعبية في أربع دول عربية، وسعيه المستمر لتحريك جيوبه في باقي الدول الإسلامية؟ ألم تتسبب المطامع الفارسية في تفتيت اليمن وضياع سوريا وأزمات العراق ولبنان، وتهديد أمن مملكة البحرين، بل والتلويح بتهديدات مباشرة لعواصم عربية على رأسها الرياض؟ ألم تصل مؤامرات الفرس إلى حد تهديد أمن أرض الحرمين الشريفين عبر الصواريخ الباليستية التي أمدوا بها «الحوثيين» بشكل فاضح؟ ألم تساند إيران قطر بشكل فاضح في محاولة فاشلة لتأجيج الأزمات العربية- العربية؟
نعم طرحنا تساؤلات مشروعة، لكننا نقول إننا نحتاج إلى إعادة نظر من منطلق جديد ومختلف، وهو ربما الخيار الذي طرحه مؤخراً ولي العهد السعودي حين قال إن إيران إذا استمرت في نشاطها النووي فالرد سيكون بالمثل، ذلك الخيار الذي كان غائباً عن الطاولة تماماً في الماضي، تسبب طرحه مجدداً في إرباك حسابات الفرس وغيرهم، والرد بطريقة مختلفة تماماً، وإلى جانب ذلك الخيار وجدنا سياسة خليجية جديدة تجاه العراق، تلك الدولة الإسلامية الكبرى التي تسبب احتلال صدام حسين للكويت في انسلاخه خارج اللحمة العربية لعقود طويلة، وهو ما جعل الفرس يستغلون تلك الهوة الكبيرة في ملء مساحات كبيرة داخل المجتمع العراقي، وهو مما هدد الهوية العربية للعراق والإخوة العربية الكردية والسنة والشيعة، فيما مثلت عودة العلاقات السعودية- العراقية، والمصرية -العراقية، بقوة الماضي نهجاً جديداً يقوم على استعادة مساحات الفراغ والحد من مساحات النفوذ الإيراني، وربما هي السياسة نفسها التي تُتبع بشكل أو بآخر في لبنان من خلال تقديم الدعم وسد الثغرات، ودعم الوحدة الوطنية من خلال سياسات النأي بالنفس كإطار حاكم لكافة القوى اللبنانية.
وإذا كنا بصدد مراجعة للتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية والتحفظات التي يطلقها دوماً علماء السُنة في مواجهة ادعاءات الفرس بالدعوة إلى التقريب بين المذاهب، تلك الدعوات التي تبدو من ظاهرة الدعوة للتسامح، بينما في باطنها محاولات لاختراق المجتمعات السُنية للتبشير المذهبي وزرع الفتنة، وربما محاولات أحمدي نجاد المفضوحة في مصر إبان حكم «الإخوان»، وبالتحديد خلال زيارته للقاهرة في فبراير 2013، حيث واجهه حينها شيخ الأزهر الشريف أن مبدأ التقريب بين المذاهب لا ينسجم مع أغراض الدعوة الخمينية عبر (تصدير الثورة) لتشييع العالم الإسلامي، والتي تلاها وقتها كبير مستشاريه الدكتور حسن الشافعي، مؤكداً الرفض القاطع للمد الشيعي في بلاد أهل السُنة والجماعة، ودعوتهم لعدم التدخل في شؤون دول الخليج، واحترام البحرين كدولة عربية شقيقة، وضرورة العمل على إعطاء أهل السُنة في إيران، وبخاصة في إقليم الأهواز، حقوقهم الكاملة كمواطنين».
كما طالب شيخ الأزهر الرئيس الإيراني باستصدار فتاوى من المراجع الدينية تجرّم وتحرّم سب «الصحابة» حتى يمكن لمسيرة التفاهم أن تنطلق، والأزهر حين أطلق تلك المطالب كان مؤمناً بأن شيئاً منها لن يحدث، وأن المطالب مجرد إثبات موقف من أكبر هيئة علمية ومؤسسة دينية سُنية في مواجهة رئيس الدولة التي تتخذ من المذهب الشيعي ستاراً لممارسة سياساتها التوسعية التخريبية في العالم الإسلامي.
وهنا يمكننا أن نخلص للقول بأن الندية الكاملة وملء مساحات النفوذ السياسي بروح شابة ووثابة، ليمثل انطلاقة جديدة للمستقبل في تقويض أطر وسياسات تأجيج الصراع الطائفي والمذهبي في منطقة لا تكاد تلفظ أنفاسها من تتابع أزماتها وكثرة مطامع القوى الإقليمية والدولية فيها، على أمل أن يدرك شيعة العرب أن تقرب إيران لهم باسم نصرة المذهب ليس دفاعاً عنهم، بل تمكينها من تنفيذ سياساتها التوسعية، وعلى سُنة العرب مواجهة جماعات التكفير المحسوبة عليهم وإنضاج المشروع الوحدوي العربي بكل مكوناته القائم على المواطنة المتساوية وقيم العيش المشترك.
نقلا عن الاتحاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة