الاحتلال التركي لمدينة عفرين وقراها أربك المعادلات الدولية
الاحتلال التركي لمدينة عفرين وقراها أربك المعادلات الدولية الساعية إلى إنهاء الأزمة السورية بالطرق السلمية، وأدى إلى العبث بتراث المدينة الحضاري وتشريد الأهالي بعد اشتباكات دامية مع الوحدات الكردية.
والنظام الأردوغاني بعمليته الطائشة يهدف إلى فرض سياسة التتريك والتطهير العرقي، وتقديم الدعم اللامحدود للعناصر الإرهابية متستراً بغطاء الصمت الغربي، وبذلك فإن النظام التركي ارتكب عملاً إجرامياً غير مشروع ويتناقض مع مبادئ وقوانين الشرعية الدولية.
دخول القوات التركية مع مرتزقتها إلى المدينة يعد احتلالاً سافراً طال الأبرياء، الأطفال والنساء والشيوخ، وأسفر عن استشهاد الكثير من المدنيين والعسكريين وتدمير منازلهم؛ فضلاً عن تدمير البنى التحتية للمدينة وآثارها التاريخية، وتوقفت الحركة نتيجة للعمليات الإجرامية والقصف العشوائي بغية ترحيل وإفراغ المدينة التي تشهد اكتظاظاً سكانياً جراء حركة النزوح الكبير.
ما يحصل في عفرين ومناطقها هو احتلال بكل ما تعنيه الكلمة، وهذه الحرب ليست من صالح الشعبين التركي والسوري، وتمهد بالتالي لصراعات خطيرة وطويلة الأمد ولن تحسم بطبيعة الحال، طالما أن حكومة العدالة والتنمية أوجدتها ولن تتمكن من إيقافها، وليس بوسعها حتى تجميد تلك الأزمات في الداخل التركي.
قوات النظام التركي تحرق القرى وتقتل المدنيين بشكل همجي وسط صمت معيب من حلف الناتو الذي تتمتع تركيا بعضويته، وما زال أردوغان يدعم المجموعات الإرهابية والمتطرفة التي دخلت عبر الحدود التركية، وهذه المجموعات تلقى المناصرة والتأييد، وعدوانه هو جزء من المشروع الاستعماري الذي يرمي إلى تعزيز مكانته قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة.
تركيا تنتهج سياسة تغيير في المنطقة، والحكومة التركية تعمل على توطين الأسر التركمانية وعوائل الفصائل المسلحة في قرى عفرين التي احتلتها بعد أن أجبرت سكانها على النزوح منها، ولتركيا دور كبير في شمال سوريا، وبخاصة أنها تمهد الطريق لصراع عرقي ونزاع بين العرب والأكراد والتركمان.
القوات التركية والمجموعات الإرهابية خرقت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2401 القاضي بوقف الأعمال القتالية في سوريا لمدة ثلاثين يوماً، عبر قصفها منطقة عفرين وقراها بريف حلب الشمالي الغربي بمختلف أنواع الأسلحة وبالطائرات والقذائف المتنوعة، فبعد استصدار قرار مجلس الأمن وتصاعد حدة الاشتباكات بين الفصائل المتصارعة على أرض سوريا، أظهرت المفاوضات تداخل مصير الغوطة الشرقية بجنوب سوريا وشرقها، وعفرين والرقة، وربطت موسكو تنفيذ القرار حول الغوطة بمرونة أمريكية حيال الرقة.
في حين عملت واشنطن والدول الأوروبية من خلال ضغوطاتها على ربط ملف الغوطة بملف عفرين علّها تدق إسفيناً بين أنقرة وموسكو، حيث دخلت تركيا أيضاً على خط المفاوضات حول مصير الغوطة الشرقية للحفاظ على مكتسباتها في الشمال السوري ولتحقيق مشاريعها، وعملت أنقرة على ضمان انسحاب مسلحي الغوطة التابعين لها إلى مناطق إدلب لتعزيز الهيمنة التركية في هذه المواقع التي تمركزت فيها.
في عام 2011م كان أردوغان وحكومته يطالبون القوى الغربية وحلف الناتو والولايات المتحدة بالتدخل العسكري المباشر في سوريا، تحت مسمى منطقة حظر جوي أو منطقة آمنة أو عازلة بغية تمكين العصابات الإرهابية المرتبطة بتركيا من السيطرة الجغرافية لإقامة هيئات حكم خاصة بها.
ولم يتمكن أردوغان طوال السنوات الماضية من إدخال تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ولم يقف معه حلف الناتو بعدما سحب بطاريات صواريخه من على الحدود التركية السورية التي تم نصبها سابقاً دفاعاً عن تركيا، وخسارته الأكبر بادية بمواقفه المتعجرفة مع دول في المنطقة بما فيها مصر العربية، وتحالفه مع المنظمات الإرهابية وإمارة قطر الداعمة للمجموعات المتطرفة انعكس سلباً على الأوضاع الداخلية التي تشهدها تركيا سياسياً واقتصادياً.
يواجه اليوم أردوغان حملات انتقادية من أنصار غولن المتهم بمحاولة الانقلاب الفاشلة، ومن أحزاب المعارضة السياسية المنافسة، فالأحزاب السياسية التركية المعارضة توضح أن هدفها الأول وغايتها حمل راية السلام داخل البلاد وخارجها، وتعتبر الهجمات على عفرين تهرباً من الأزمات التي تعصف بالنظام التركي، وما يحصل في عفرين ومناطقها هو احتلال بكل ما تعنيه الكلمة، وهذه الحرب ليست من صالح الشعبين التركي والسوري، وتمهد بالتالي لصراعات خطيرة وطويلة الأمد، ولن تحسم بطبيعة الحال، طالما أن حكومة العدالة والتنمية أوجدتها ولن تتمكن من إيقافها حتى وليس بوسعها تجميد تلك الأزمات في الداخل التركي.
ولابد أن يلاقي أردوغان فشله حتماً في سياسته ودوره، وكل ما يهدف إليه هو إطالة زمن الحرب على الأراضي السورية التي تستهدف كل مكونات المجتمع السوري، وكل ما يبتغيه أيضاً إبعاد الصراعات السياسية الداخلية التي بدأت تتجه نحو فضح سياسته الهوجائية.
أوهام أردوغان مذهلة للغاية، وشخصيته المتناقضة مبهرة تعكس ازدواجيته المفرطة، وقد أكد معهد جيتس ستون الدولي في تقرير له "أن الرئيس التركي يعيش في عالم من صنع مخيلته، ويشعر من خلاله بأنه قادر على السيطرة على الدول العربية".
وليس بعيداً من أن تشهد الساحة التركية تفاعلات شديدة وتأثيرات بالغة الخطورة، وتحولات سياسية دراماتيكية أواخر العام الجاري وقبل مرحلة الانتخابات الرئاسية، وقد تؤدي إلى عرقلة في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي لن يتمكن حزبه من إيجاد حزب معارض يتحالف معه تمهيداً لتشكيل حكومة جديدة، والأيام القادمة تنبئ بما هو أدهى مما يحصل داخل البلاد
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة