أميركا، الدولة العظمى والأقوى، ربما في تاريخ البشرية، تعلم جيداً أن عليها أن تبذل حتى تأخذ.
مؤمن جداً بتقلبات الزمان، مثلما أني مؤمن بثبات بعض العرب على مواقفهم من السعودية في جميع الأحوال. مؤمن جداً بأنهم لا يرجون لها سوى الخسران المبين، مثلما أنا مؤمن بكثرة خيباتهم من نجاحاتها التي تزيدهم تعاسة على تعاستهم!.
في أميركا، تتربع السعودية من جديد على هرم الاهتمام الإيجابي، بحنكة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، القائد الذي يحصد بالغ الاحتفاء السياسي والإعلامي هناك، الشاب المتقد حيوية وإخلاصاً ووضوحاً في الرؤية والأهداف، الذي استطاع إعادة الحس الوطني إلى قضبان الوطن من جديد، بعد أن استولى عليه باعة الوهم من تجار الدين باسم الأمة.
السعودية التي استخلصت درساً مهماً من الحرب في اليمن، وهو أن «قرشها» الأبيض الذي بذلته بسخاء ساعة عسر «الأشقاء» لم يشفع لها وقت الضيق، فالمواقف الداعمة كانت مترددة حائرة على رغم عدالة القضية التي تبذل لها السعودية وحلفاؤها «الحقيقيون» الغالي والنفيس!
في هذا السياق، ربما علينا أن نطرح هذا التساؤل: هل ظهرت بلايين السعودية فجأة؟ هل ثمة اكتشاف أو إرث ما أثرى خزانتها وجلب الاهتمام إليها؟ الإجابة لا بالتأكيد، فالسعودية دولة غنية بمواردها البشرية والاقتصادية، هذه من المسلمات، وإرثها الوحيد هو تاريخها الممتد، الذي تسطره ملاحم الدولة الراسخة على مبدأ البناء والتقدم، واستغلال الفرص «الشريفة». أما جديدها، والذي أفرزته سنوات الخذلان والنكران الطويلة في عمر النيات السعودية الطيبة، فإنه السعي في سبيل مصالحها «فقط» كما لم تفعل من قبل قط، وعلى المقيمين خارج هذا الإطار مراعاة فارق الإمكانات بينهم، ثم الاختيار بين القفز إلى سفينة نجاتها أو البقاء في معسكر الشتم والعويل، الذي ينطلق من الحسد والشعور بالفوقية الكذابة، لينتهي بالحسرات على طول خط الأوهام البائدة.
السعودية تقوم بضخ الدماء في شريان علاقاتها بالأميركيين، الحليف الأهم على مستوى العالم، ولو كره الكارهون ورفع «الشعاراتيون» لافتات مآسي «الأمة» يحمّلونها للسعوديين، في محاولاتهم المستمرة للتشغيب على دور الرياض في منطقتنا المترامية الاصطفافات والنظرات «الضيقة».
السعودية التي استخلصت درساً مهماً من الحرب في اليمن، وهو أن «قرشها» الأبيض الذي بذلته بسخاء ساعة عسر «الأشقاء» لم يشفع لها وقت الضيق، فالمواقف الداعمة كانت مترددة حائرة على رغم عدالة القضية التي تبذل لها السعودية وحلفاؤها «الحقيقيون» الغالي والنفيس!.
كانت استنتجت من فترة الرئيس السابق باراك أوباما، بما تخللها من تجربة التعليق الجائر لبعض صفقات الأسلحة التي كان من المقرر إتمامها لها، واستصدار قانون جاستا، والتوقيع على الاتفاق النووي مع الإيرانيين، أن أميركا ليست فخامة الرئيس، لذلك فإن العلاقة السعودية الأميركية في شكلها الحالي، تترجم حاجة السعودية إلى لوبي «مؤثر» في واشنطن، لا يقف عند وجود رئيس أو ذهاب آخر. الشركات والشراكات ومجتمع العلاقات العامة الذي يقصم ظهر الأخطار قبل حدوثها، أولى بالنسبة إلى السعوديين من الاستماع إلى لطميات «القومجية» و «الأممجية» الفارغة. السعوديون اليوم إنما يتداركون أنفسهم من خلال تصحيح مساراتهم السياسية، والرمي بكامل ثقلهم في المكان الصحيح، الذي يحقق تطلعاتهم، ويحمي إرادتهم العليا من أن تتأثر بمزاجية القوم، أي قوم.
أميركا، الدولة العظمى والأقوى، ربما في تاريخ البشرية، تعلم جيداً أن عليها أن تبذل حتى تأخذ. وحدهم «عرباننا» الذين يريدون أن يأخذوا فقط، هم غير مستعدين لمقابلة السخاء بالعطاء حتى! نعم، السعودية ثرية جداً، وستعطي جزءاً من ثروتها للأميركيين الأقوياء جداً، في شكل «صفقات» تمنحها قدراً كبيراً من تلك القوة.
نقلا عن "الحياة"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة