قد شابَ رأسي ورأسُ الحرْصِ لمْ يشبِ.. إنَّ الحـريـص عـلى الدنـيـا لَـفي تَـعَــبِ...
السوق العربية المشتركة.. عبارة اعتدنا سماعها بشكل متكرر في كل اللقاءات الرسمية العربية على مدار سنين طويلة، اعتدنا سماعها بنهاية كل بيان ختامي لكل الاجتماعات واللقاءات العربية.
لكن فجأة، منذ أكثر من نحو ثلاثين عامًا، اختفت هذه العبارة من القاموس العربي دون سابق إنذار، وصارت من "الكلمات التاريخية والإرث العربي".
وقد طُرحت فكرة السوق العربية المشتركة بعد بضع سنوات من إبرام معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة العربية عام 1950، ثم تبلورت الفكرة في عام 1959 بعد الاتفاق على إسباغ كيان ذاتي على المجلس الاقتصادي المنصوص عليه في المعاهدة المذكورة، وانضمت إليه 13 دولة عربية حتى نوفمبر عام 1963.
والآن بعد نحو 70 عامًا من هذا "الاقتراح اليتيم" نرى نموذجًا عمليًا يؤكد زخْم القرارات المتلاحقة للعرب "وتراجع" معدل تنفيذها، و"محدودية" الإنجازات الحقيقية.
ويبدو أن العرب لم ينتبهوا بشكل كافٍ إلى التكتلات الاقتصادية الكبرى، التي تنشأ من حولهم في مختلف بقاع الدنيا، بدءا من أوروبا الموحدة، والتجمع الاقتصادي في أمريكا الشمالية، إلى التجمع الاقتصادي الآسيوي "الآسيان"، ولم ينتبهوا بصورة كافية إلى مخاطر "هروب رؤوس الأموال العربية" إلى الغرب، وتهميش غالبية الدول النامية في الجنوب، بسبب تعثر عمليات التكامل الاقتصادي ومحاولات التكتل التجاري، وقيود الحماية التي تفرضها الدول الصناعية، التي تحاصر صادرات العالم النامي.
لقد تم تنفيذ خطوتين من أصل أربع خطوات متفق عليها نحو التكامل الاقتصادي والوصول إلى سوق عربية مشتركة، الخطوة الأولى إنشاء منطقة عربية تجارية حرة، والثانية تحرير السلع من الرسوم الجمركية في التجارة البينية العربية، وتتبقى خطوتان لم تدخل أي منهما حيز التنفيذ حتى الآن، أولاهما السوق العربية المشتركة، تلك التي تحتاج إلى جهد اقتصادي دبلوماسي سياسي كبير.
ما دعاني إلى كتابة هذا المقال ما أراه من تراجع في مستوى الطموح والحلم العربي على المستوى الكلي، فقد صار هاجس كل دولة أن تتقدم وحدها وأن تتجنب شرور الآخرين وحدها.
صرنا في زمن يخشى كل عربي من أخيه العربي، ولا يبدأ معه حديث الود، إلا بعد أن يتأكد من دينه وملته وطائفته وانتمائه السياسي والفكري، بعد أن كنا نتعامل مع بعضنا "كعرب" دون التفات إلى أيٍّ من هذه "المرفقات".
لا شك أن حديثنا هنا لـ"إعادة الوجدان العاطفي" بين أبناء العروبة يحتاج إلى فترات زمنية طويلة جدا، وإلى جهود مشتركة من الدول العربية جميعًا، سواء على مستوى الحكومات أو الأفراد.
ما يعنينا هنا "المسؤولية الفردية" للمواطن العربي. وهي ببساطة أن يعيش في هذه الدنيا كـ"إنسان"، وأن يتعامل مع الجميع بالحُسنى دون اعتبار لجنس أو دين أو لون أو مذهب أو طائفة، طبعًا بما يتوافق مع الشرع والعرف والتقاليد.
"السوق العربية المشتركة" ليست مجالًا محددًا في عالم التجارة، بل أثرها يمتد إلى الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والفنية والموروث الشعبي وزيادة التلاحم العربي المشترك.. وعلينا جميعًا أن نتعامل مع "حلم" السوق العربية المشتركة كـ"طوق نجاة" للعرب، ليعودوا إلى حالة التلاحم والمصير المشترك، ويبتعدوا عن حالة الفرقة.
حفظ الله أوطاننا العربية وشعوبها وقادتها!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة