ما يحدث في الشارع العراقي يمكن النظر له خطوة رئيسية في مواجهة النفوذ الإيراني
عاشت المنطقة العربية في عام 2011 مرحلة سميت بالربيع العربي، لكن بالنظر إلى مطالبها الاجتماعية وما آلت إليه أوضاع بعض الدول من إفساح المجال للتدخلات الخارجية كما يحدث في ليبيا وسوريا، نجد أن ما سميت بالربيع العربي لم يكن لها من اسمها نصيب لأنها فرطت في الحفاظ على هويتها العربية والوطنية وأصبحت عرضة للتدخلات الخارجية وعرضة للأطماع الإيرانية والتركية.
لقد انطلق قطار الهوية العربية من العراق ووصل إلى مرحلته الثانية في لبنان، وعكس المدى الذي فشلت فيه إيران في تثبيت جذور وجودها داخل الدول العربية التي تتباهى بالسيطرة عليها
لكن المرحلة الثانية للانتفاضات الشعبية التي بدأت من العراق إلى لبنان فهي تجسيد حقيقي لما يمكن تسميتها بحق الربيع العربي، لأنها ليست انتفاضة من أجل العدالة الاجتماعية ولم تخرج من أجل العيش ومكافحة الفساد فقط وتعد هذه المطالب ثانوية إذا ما نظرنا إلى أنها تحمل معها مشروع استعادة الدول الوطنية، وبالتالي فإنها تحمل معها مشروعا رئيسيا وهو البحث عن الهوية العربية التي هي السلاح في مواجهة أطماع الهوية الفارسية التي تسعى للنيل من الدولة الوطنية عبر إضعافها وتقوية المليشيات التابعة لها كما يحدث في العراق ولبنان عبر الحشد الشعبي وحزب الله الإرهابي.
ما يعيشه العراق من مظاهرات كانت تركز على استهداف المقرات التابعة للأحزاب الموالية لإيران وتهتف بشعارات "طرد إيران" ما هو إلا انعكاس لما يحدث في لبنان نتيجة انتقال العدوى العراقية إلى الشارع اللبناني، ونلاحظ هنا تطابق النموذج العراقي مع النموذج اللبناني من جهة التدخلات الإيرانية والأحزاب التابعة لإيران التي تسعى لإضعاف الدولة الوطنية، وبالتالي لا شك أننا أمام مرحلة مهمة في التاريخ العربي فهي خطوة "إصلاحية" للأخطاء التي كرست النفوذ الإيراني في المنطقة العربية خاصة ما بعد عام 2003 والغزو الأمريكي للعراق الذي كانت نتائجه كارثية ليست فقط على مستوى الدولة العراقية، بل على مستوى المنطقة العربية بأكملها التي أسقطت البوابة الشرقية العربية أمام التوسع الإيراني في المنطقة العربية ما سعت إيران لتوظيف العراق أداة في مشروعها التوسعي للتمدد في المنطقة العربية.
وبالتالي ما يحدث في الشارع العراقي يمكن النظر له خطوة رئيسية في مواجهة النفوذ الإيراني الذي يبدأ مواجهة إيران بضرورة إصلاح الأخطاء التي كرست النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، إذ تنظر إيران إلى العراق بأنه رأس الحربة في مشروعها التوسعي وأداة رئيسية تسعى لتوظيفه في صراعاتها الإقليمية، وبالتالي يجب التعاطي مع إيران عبر هذه الأسس إذ لا يمكن إسقاط المشروع الإيراني في سوريا أو لبنان ما لم يكن هناك إسقاط لرأس الحربة في مشروعها التوسعي وهو العراق بإعادته إلى الحضن العربي، وبالتالي ما يحدث في الشارع العراقي من إرادة شعبية تحمل مشروعا عربيا يجب العمل على توظيفها عربيا في مواجهة المشروع الإيراني.
ما يحدث في العراق ولبنان هو خطوة لإعادة ترتيب خارطة القوى المؤثرة في المشهدين، وإضعاف القوى الموالية لإيران، وبالتالي يجب على المسؤولين العراقيين واللبنانيين التعاطي مع ما يحدث في الشارع العراقي واللبناني من منطلق البحث عن الحلول الجذرية، وهي البحث عن جذور الأزمة والسعي لمعالجتها من خلال ردع التدخل الإيراني في شؤون الدولتين لكي يتم التمكن من العمل على إبقائها داخل العباءة الإيرانية، وبالتالي الحلول الجذرية والمأمولة أن تقود لتقوية الدولة الوطنية في مواجهة دولة المليشيات التي تحاول القفز على شرعية الدولة وتسعى لأن تكون الدولة تابعة لها، وبالتالي فإن أي حلول لا تتم عبر هذا الإطار هي بلا شك حلول جذرية لا فائدة منها حتى وإن ساهمت هذه الحلول في تحجيم الانتفاضة الشعبية لكنها لن تطفى شرارتها.
إن ما يحدث في العراق ولبنان هو اختبار حقيقي حول مدى جدية المسؤولين في الدولتين على قيادة دفة الدولة العراقية أو اللبنانية نحو الحفاظ على الهوية العربية في مواجهة المشروع الإيراني، وأيضا هو اختبار حقيقي للإرادة العربية التي يجب أن تتصدر المشهد وتكون حاضرة في المشهد عبر جامعة الدول العربية باعتبارها منظومة داعمة للعمل، ويجب عليها أن تدفع باتجاه أن يميل ميزان القوى لمصلحة الهوية العربية، وكذلك لكبح جماح أي قوى خارجية تحاول العمل على اختطاف الانتفاضة الشعبية لمصلحة توظيفها لخدمة مشروعها الفوضوي.
لقد انطلق قطار الهوية العربية من العراق ووصل إلى مرحلته الثانية في لبنان، وعكس المدى الذي فشلت فيه إيران في تثبيت جذور وجودها داخل الدول العربية التي تتباهى بالسيطرة عليها، إذا تثبت هذه الأحداث بأنه لا يوجد قبول شعبي لإيران وشعاراتها. وبالتالي فإن الهتافات التي تحدث خاصة في الشارع العراقي ضد إيران وإحراق مقرات المليشيات التابعة لإيران يثبت تصاعد الوعي الشعبي بأن إيران ومليشياتها هي سبب الأزمة ولا يمكن أن تكون هذه المليشيات جزءا من الحل.
اليوم لا تواجه إيران الجهود العربية فقط لتحجيم نفوذها في المنطقة وإنما تواجه وعيا شعبيا هو العدو الأول لمشاريع الهيمنة والتوسع التي تعتمد على وجودها في تغييب الوعي الشعبي كما تفعل إيران منذ وصول الخميني إلى السلطة الذي يعتمد على صياغة الشعارات، لخلق الأرضية الخصبة للقبول الشعبي للمشروع الإيراني.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة