تمكين المرأة في المنطقة وتعزيز قدراتها وحمايتها هو مكون أساسي من مكونات صناعة استقرار البلدان العربية.
لقد ساهمت تطورات الحياة العامة اليوم في نقل المرأة من اعتبارها موضوعا للسياسة إلى فاعل سياسي حقيقي، وفي إطار ذلك عملت الحركات النسوية على مقاومة الكثير من المعتقدات السياسية والاجتماعية وحتى الدينية المتطرفة، ضمن مسار نضالي لا يزال مستمرا لكي تأخذ المرأة مكانها ودورها الطبيعيين في المجتمع.
الجانب الأهم الذي ساهم في تكوين القيود وصنع محدودية دور المرأة العربية التنموي وحضورها السياسي بالأخص، تمثل في كيفية المحافظة على حلقة الوصل بين قيم التقليد وقيم الحداثة، وسبل التوفيق بين المتطلبين خصوصا عندما تعلق الأمر بالتساؤل حول الانفتاح الذي شكل أداة ضغط حقيقية على معتقدات المجتمع السياسي العربي
كما أن الملاحظ ضمن هذه المسيرة هي تلك الميزة التي استفادت منها المرأة العربية في دعم موقعها ومكانتها من أجل التقدم إلى صدارة المشهد السياسي بالمنطقة العربية، والتي كانت تبلغ أوجها دائما في زمن التحول والتغيير في طبيعة النظام السياسي، فكان التحول في طبيعة النظام السياسي هو أهم عنوان تماشت معه حركة تطور الحقوق بالنسبة للمرأة في المنطقة العربية، وقد لمسنا ذلك منذ فجر التاريخ فقد جاء الإسلام وساهم في حماية المرأة ورفع عنها الغبن الذي كانت تكرسه قوانين الجاهلية، واستمرت بعد ذلك نضالات المرأة في إطار مفهوم المواطنة لتصبح اليوم المنافس الأول في تقاسم الأدوار، ومحاصصة الاستفادة من مسألتي توزيع القوة والسلطة.
لكن الجانب الأهم الذي ساهم في تكوين القيود وصنع محدودية دور المرأة العربية التنموي وحضورها السياسي بالأخص، تمثل في كيفية المحافظة على حلقة الوصل بين قيم التقليد وقيم الحداثة، وسبل التوفيق بين المتطلبين خصوصا عندما تعلق الأمر بالتساؤل حول الانفتاح الذي شكل أداة ضغط حقيقية على معتقدات المجتمع السياسي العربي، وظل مسعى إشراك المرأة في إدارة العملية التنموية رهان الدول العربية التي تتفاوت فيها مكانة المرأة من دولة إلى أخرى حسب خصوصية كل مجتمع. لكن بقي هدف إشراك وترقية دور المرأة في المشاركة السياسية قائما، ويعتبر مقصد أغلب السياسات المسطرة في المنطقة، وفي ذلك يمكن اعتبار برلمانات الدول العربية أداة قياس باعتبارها أكبر مؤطر لجهود النساء بالوطن العربي.
ضمن ذات المسعى تلتئم الدورة 38 للجنة المرأة العربية بالجزائر تحت شعار: "الحماية الاجتماعية لتمكين المرأة" تجسيدا لمسعى بناء توافق عربي، والخروج بإجابة موحدة حول مدى تطبيق منهاج عمل بيجين حول المرأة بعد 25 عاما من إقراره، وذلك تحضيرا للدورة الـ64 للجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة، من أجل تقديم إجابات فعلية حول قضايا المساواة والتنمية والسلم بالنسبة لواقع المرأة في المنطقة العربية، كما أن اجتماع النساء العربيات بدا أكثر قوة وعزيمة من خلال تأكيد البيان الختامي على أهمية ترقية رؤية مشتركة وموحدة تجاه المرأة العربية في المحافل الدولية، وهو ما يمكنه إضفاء المزيد من الانسجام على السياسات والقرارات التي تساهم في ترقية دور المرأة العربية الذي أصبح أساسياً في زمن السلم والحرب، وأن تمكين المرأة في المنطقة وتعزيز قدراتها وحمايتها من كل أشكال التمييز والتهميش والاستغلال والعنف هو مكون أساسي من مكونات صناعة استقرار البلدان العربية وتحقيق السلم والتنمية.
إنجازات المرأة العربية تتزايد وتتقدم نحو صدارة المشهد السياسي والتنموي، ولا أدل على ذلك من القرار الملكي الذي تضمن إعلان تعيين الأميرة ريما بنت بندر آل سعود سفيرة للمملكة العربية السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، لتكون بذلك أول سفيرة في تاريخ المملكة ضمن الرؤية التنموية 2030، وهو ما يعتبر دليلا قاطعا على أن الإصلاحات في السعودية بدأت تؤتي ثمارها، وتحقق خطوات عملية ومهمة، فالمرأة السعودية فاعل رئيسي في تحقيق تنمية وازدهار المجتمع السعودي، لأن التنمية دون المرأة هي تنمية في خطر، كما أن الدورة 38 للجنة العربية للمرأة المنعقدة في الجزائر اليوم تؤكد أهمية الدعم العربي لهذا النهج في السعودية، ويأتي ذلك من خلال تقديم مقترح احتضان المملكة العربية السعودية لأشغال الدورة 39 للجنة المرأة العربية في العام القادم، لتكون بذلك الرياض في العام القادم عاصمة للمرأة العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة