بالصور.. مهنة الخطاط بغزة تنازع للبقاء في "عصر الماكينة"
المسكونون بحب الخط العربي الأصيل يصرون على المضي في استخدام ريشهم وأدواتهم التقليدية لصناعة لوحات تنبض بالحياة والروح
ما بين الاندثار ونزاع البقاء تتأرجح مهنة الخط العربي في مواجهة طغيان أجهزة الحاسوب والطباعة، وما تقدمه من تنوع في الخطوط والتصميمات وسرعة في الإنجاز.
ويصر المسكونون بحب الخط العربي الأصيل على المضي في استخدام ريشهم وأدواتهم التقليدية لصناعة لوحات تنبض بالحياة والروح بخلاف اللوحات الجامدة المنتجة عبر الأجهزة الحديثة.
كتابة عناوين الصحف
الفنان والأكاديمي الفلسطيني ناصر فخري المجايدة (58 عاماً) يعمل في مجال الخط العربي منذ 20 عاماً، عبّر عن سعادته وتقديره لتناول "العين الإخبارية" هذا الموضوع الذي بدأ الاهتمام به يتراجع، مؤكدًا أنه لا يزال يكرس ساعتين من يومه للكتابة بالخط العربي وفق قواعده وأصوله القديمة، وهو ما لا يمكن أن تحققه أحدث أجهزة الحاسوب، وفق تقديره.
ويروي المجايدة لـ"العين الإخبارية" رحلته مع فن الخط العربي، وكيف تأثر بعصر الحداثة الحالي، مشددا على أن الروح والحياة في الكلمات التي تكتب يدوياً بإحساس ونبض الفنان.
يأسف "المجايدة" لحال التراجع الذي وصلت إليه مهنة الخطاط مع الميل إلى الاعتماد شبه الكلي على الحاسوب والأجهزة الحديثة في التصميم والإنتاج، حتى بات أي شخص يمكن أن يدخل على هذه المهنة.
يتذكر بفخر رحلته مع الخط العربي، وكيف عمل على مدار نحو 10 سنوات منذ عام 1980 كاتباً للعناوين والمانشيتات في صحيفة "الاتحاد" الإماراتية، إذ كانت العناوين حينها تكتب بالخط اليدوي قبل أن تعتمد الصحف على الطباعة الجاهزة.
ويُدرس الفنان المجايدة الخط العربي والتصميم في جامعة الأقصى بغزة والكلية الجامعية، مشيرًا إلى أن الإهمال الرسمي الحاصل للخط العربي أدّى إلى تدني مستوى خط الطلبة لدرجة "أنني أحياناً بالكاد أفهم خط طالب أو طالبة في مرحلة جامعية".
ومع ميله إلى استخدام الكتابة اليدوية وفق أصول الخط العربي، يلجأ المجايدة لاستخدام الحاسوب جزئياً لتصميم شعار أو نوع معين من المنتجات.
ويقول: "بالنسبة لي الكتابة اليدوية مقدسة ويومياً أكتب ساعتين بالبوصة والسن المعدني".
ويأمل أن تعيد وزارة التعليم الحياة لهذا الفن من خلال تخصيص حصة أسبوعية لتعلم الخط ويحث أولياء الأمور ليعطوا أبناءهم دورات في الخط الذي يراها مفتاحاً للرزق والجمال.
الماكينة تقتل الفن
ويجزم أن الخط التقليدي أفضل وأوضح فضلاً عن جماله فيما يتعلق باللوحات الإعلانية وغيرها، ذاهباً إلى أن الماكينة أثرت كثيراً على شكل "اليافطة" وصارت الحروف غير واضحة ونسبها غير صحيحة.
ويقر أن دخول الماكينة على الخط العربي أثرت فيه وتسببت بشبه اندثار للخط العربي الأصيل؛ لأنها أسرع وأقل تكلفة وإن كانت الجودة والذوق العام أقل، وفق قوله.
وأضاف: "الأجهزة الحديثة تقريباً قتلت الفن وأثرت عليه، والذوق العام انتهى والحس الفني انتهى، وما نشاهده خليطا من الألوان والحروف بلا إحساس وانعكس ذلك على الخط العربي الأصيل".
وعلى مدار سنين طوّر "المجايدة" خبرته بالتعلم والاطلاع على تجارب الخطاطين القدماء إلى جانب دراسته "دبلوم" في مدرسة تحسين الخطوط العربية بمنطقة المنشية في محافظة الإسكندرية بمصر حتى بات اليوم أستاذًا للخط في الجامعات الفلسطينية.
اليدوي.. جمال وبقاء
ولا تزال ورشة الفنان صلاح أيوب فروانة تعج باللوحات اليدوية، ما يشير إلى إصراره عليه رغم الميزات التي تتيحها الأجهزة الحديثة.
ويروي فروانة الذي يعمل في مجال الخط العربي منذ عام 1970 لـ"العين الإخبارية" تجربته في ظل هذه التحولات التي تعصف بالمهنة أو الفن كما يسمينه.
وقال: "أيام زمان تختلف كنا نستخدم الريشة والقلم والطباشير وأشياء بسيطة وننتج لوحات جميلة، أما اليوم فهناك أجهزة حديثة تتميز بسرعة الإنجاز"، مشيرًا إلى أنه يوظف الأجهزة في عمله لأنه لم يعد مجال للاستغناء عنها.
وأوضح أنهم يستخدمون الكتابة اليدوية في اللوحات وأسماء الشهادات وبعض الأمور، إذ لا يزال بعض المواطنين يحرصون على اعتماد الخط اليدوي لأن له بصمة وروح خاصة لا تلبيها الأجهزة الحديثة.
وأشار إلى أنَّ ما يميّز الأجهزة سرعة الإنجاز، إذ إنَّ اللوحة التي كانت تستغرق أسبوعاً بالكتابة والرسم اليدوي يمكن إنجازها هذه اليوم خلال ساعتين فقط.
ومع ذلك يؤكد أن اللوحات الإعلانية أجمل وأكثر قدرة على الصمود والبقاء، مشيرا إلى أن بعض لوحاته الإعلانية لا تزال كما هي منذ 30 عاماً في حين أن منتجات اليوم عبر الأجهزة بعد أشهر أو حتى أسابيع تتأثر بالعوامل الجوية.
ويرى فروانة أن الأجهزة الحديثة لا تقتل الفن فالفنان هو الذي يلقن التكنولوجيا ويوظفها في إنتاجها، مع إقراره بالفارق بين المنتج اليدوي وما ينتج عبر الأجهزة، مشيرًا إلى أنه يستخدم الأجهزة كدور مكمل وليس أساسياً.
ويتفق فروانة مع المجايدة في غياب الاهتمام من الجهات الرسمية سواء من وزارة التعليم أو الثقافة بالاهتمام بهذا الفن والارتقاء به وبالعاملين فيه مقارنة بالاهتمام الذي ينصب على سبيل المثال بالمسرح أو غيرها من الفنون.
مواكبة التطور
ويقر هشام سكيك أحد أقدم الخطاطين في قطاع غزة بتراجع حضور الخط العربي حالياً لصالح الأجهزة والحاسوب.
ويروي سكسك لـ"العين الإخبارية" رحلته مع الخط العربي، مشيراً إلى أنَّه بدأ في مجال الخط عندما كان في الصف الأول الثانوي وعمل خطاطاً لدور السينما (أي في إعداد اللوحات التي تروج للأفلام).
وقال: "كان هناك 7 سينمات في غزة وخان يونس، وبقيت أعمل لها حتى عام 1966 حيث زادت شهرتي ودخلت سلك التعليم وبدأت أعطي الدورات لمدرسي ومدرسات الخط العربي".
وأشار إلى أنه فتح محلاً خاصاً لإعداد اللوحات الإعلانية، ودخل معه اثنان من أبنائه أحدهما تميز بموهبة الخط مثله وهو باهر، إلى جانب باسل الذي تخصص في التنفيذ.
وذكر أن أبناءه اليوم يعتمدون الأجهزة الحديثة وابنه يدرس برامج التصميم في الجامعات، أما هو فلا يزال يحرص على الكتابة اليدوية.
وقال: "حالياً نستخدم الكتابة اليدوية في الشهادات والأختام المعقدة، وأحياناً كروت الأفراح"، مؤكداً أن بعض الأشخاص والجهات يحرصون على أن تكون الكتابة بالخط اليدوي.
ويعتقد أن خط الكمبيوتر لا يوجد فيه روح مقارنة بالخط اليدوي وفق القواعد الأصيلة.
ويأسف لعدم وجود اهتمام في وزارة التعليم بالرسم أو الخط وبالتالي "الجيل ضعيف الخط ومعدوم الذوق الفني"، وفق تعبيره.