تعددت الأطراف الدولية الفاعلة على الساحة السورية، إلا أنّه لا يمكن بحالٍ من الأحوال أنْ تصل سوريا إلى شاطئ الحلّ.
مهما طالت الأزمة السورية التي قاربت على إنهاء عقدها الأول, ومهما تعددت الأطراف الدولية الفاعلة على ساحاتها السياسية والعسكرية, فإنّه لا يمكن بحالٍ من الأحوال أنْ تصل سوريا إلى شاطئ الحلّ ما لم تهب الرياح العربية على شراع سفينتها التي تصارع أمواجاً عاتيةً, فسوريا بلدٌ عربيُّ الهوية؛ الأمر الذي يجعل سوريا أمام مسؤولية جدية بالاعتماد على الدور العربي والعمل على تفعيله, والدول العربية مطالبة بديناميكية سياسية واستراتيجية للتوصل إلى صيغةٍ تعود بها سوريا إلى حضن العروبة من جهة، وتفعيل الدور العربي على الساحة الدولية فيما يخص الملف السوري من جهةٍ أخرى, ولعل هذا ما يلخصه تصريح معالي الدكتور "أنور بن محمد قرقاش" وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، حول أنَّ الأزمة السورية بحاجةٍ إلى مقاربةٍ جديدة تنتشلها من حال العنف الذي تعيشه, فما متطلبات هذه المقاربة لتبصر النور؟:
أولاً: على الصعيد السوري: لا بد للسوريين -معارضةً وحكومةً- من كسر حالة الجفاء مع الدول العربيةن بالسير نحوها والتأكيد بالقول والفعل أنهم مهما يكن من خلاف سياسي فإنهم جزء من المشروع العربي, وهو الذي لا يحتمل اللبس والمجاملة, فالحكومة السورية تعتمد على العنصر الإيراني الذي تجاوز التحالف والصداقة لدرجة اعتبار نفسه القائم بالأمر, من خلال تغوله في مفاصل الدولة من بوابة العمليات العسكرية التي وفرت له أنْ يكون قوة ضاربةً على الأرض, أما المعارضة السورية فقد بلغ الدور التركي في صفها ما بلغته إيران وأكثر في صف الحكومة السورية, بل إنَّ تركيا اليوم تقضم أراضي سورية كثيرة تتعامل معها على مبدأ الاحتلال المباشر, كل ذلك إنما كان وما زال على حساب سوريا والسوريين بكافة مكوناتهم من جهة، وعلى حساب العرب عموماً من جهة أخرى, فالجدير بالأطراف السورية اليوم مراعاة الملفات الخلافية سياسيًّا وعسكريًّا بين هذه الأطراف الأجنبية من جهة، وبين أشقائهم العرب من جهة أخرى, بما يفتح المجال والباب أمام حوار عربي سوري يفضي إلى دورٍ عربيٍّ يمنح سوريا -حكومةً ومعارضةً- قوةً سياسية وتفاوضية بثقلها العربي الطبيعي الذي لا يمكن أن تقوم الدولة السورية بدونه.
ثانياً: على الصعيد العربي: لا شكَّ في أنّ الكثير من الأطراف السورية على جانبي الصراع, تحدوهم الآمال إلى دورٍ عربيٍّ يقيهم الوقوع في براثن الغوليْن: التركي والإيراني, وهو ما لا يخفى على أحدٍ, لا سيما وأنّ الملف السوري ليس الوحيد على الساحة العربية التي اشتعلت كبركانٍ جبّار في عدة دول متعطشة لشقيقاتها العربيات, فمع سوريا كانت وما زالت تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق, مما شتت الجهود العربية التي اصطدمت بواقع صعبٍ على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والأمنية والاستراتيجية وحتى الإنسانية, ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ العرب اليوم -وأكثر من أي يومٍ مضى- مطالبون بالانطلاق بمقاربة جديدة تقوم على دمج الأطراف كافة بها ضمن مبادرة عربية لا تقصي أحداً من الأطراف, كما أنها تراعي مصالح الجميع بتوازنٍ مع المصلحة العربية الكبرى, وبذلك يتم التفاوض على الملف السوري مع المجتمع الدولي ليس على مبدأ حكومةٍ إيرانية ومعارضة تركية, وإنما على مبدأ حوارٍ عربي دولي, فبذلك وحده تعود سوريا إلى هويتها العربية, وبذلك وحده تعود الدول العربية بمنظماتها السياسية كالجامعة العربية التي تعاني اليوم ما تعانيه من الصراع العربي الدائر, وبقوتها الدولية والعسكرية لتقول كلمتها ولتبصر رؤيتها النور، واضعةً سوريا على سكة الحل.
لا يشك عاقل بأنَّ هذا الأمر ليس سهلاً ويكتنفه من الصعوبات الكثير, إلا أنه ليس مستحيلاً, وفي الواقع هذا لا ينطبق على الملف السوري وحسب, بل إنه ينطبق على الدول العربية كاملةً, فلا يمكن حل الأزمة الليبية ولا العراقية ولا اليمنية بدون هذه المقاربة, مع مراعاة خصوصية الملفات والصراعات الدائرة في كل بلدٍ منها, خصوصيات قد تتمايز بأمور تفصيلية وفي جوانب معينة, أما الخطوط العريضة والجوهرية فإنّ الأمر ذاته ينطبق على الجميع, بعودة الدول العربية إلى عصبتها التي تمنحها القوّة والتمكين, فتعود به العروبة إلى حجمها الذي تستحقه على مستوى العالم, فلا حلَّ للأزمة السورية ولا للأزمات العربية إلا من بوابة العرب والعروبة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة