تفاعل العالم مع الانتخابات الأمريكية طبيعي كونها الدولة الأكبر اقتصاديا والأقوى سياسيا وعسكريا وتسيطر على مفاصل مهمة في هذا الكون.
الانتخابات الأمريكية وتجاذباتها الإعلامية سواء في الداخل الأمريكي أو خارجه كرست الاعتقاد بأن الكون سوف ينقلب رأسا على عقب، وأن الانتخابات الأمريكية سوف تغير نتائجها معايير هذا العالم، وظهرت الكثير من الأصوات التي تحلل الانتخابات الأمريكية وهي ليست لها علاقة بأمريكا لا من حيث الجنسية ولا من حيث الانتماء، حتى تصور البعض وكأن كل العالم يمكنه التصويت في الانتخابات الأمريكية.
بعض المحللين راهنوا على فوز الرئيس ترامب وارتموا في أحضان أجندته الانتخابية، وبعضهم فعل العكس دون معرفة كافية بالمجتمع الأمريكي وبهذه الثقافة الديمقراطية التي يقترب عمرها من ثلاثة قرون.
تفاعل العالم مع الانتخابات الأمريكية طبيعي كونها الدولة الأكبر اقتصاديا والأقوى سياسيا وعسكريا وتسيطر على مفاصل مهمة في هذا الكون، ولذلك يهتم العالم بمن سيكون رئيس هذه الدولة، نتيجة لهذه السمات التي تميزها، فأمريكا تمتلك الكثير من خيوط اللعبة السياسية العالمية وتحركها في اتجاه مصالحها عبر بناء استراتيجيات متجددة مرنة تتطور بتطور المصالح الأمريكية، كل ذلك يتم من أجل المحافظة على وجود أمريكا على القمة العالمية، وذلك هو الهدف الأسمى لكل رئيس يقود هذه الدولة، فعليه أن يسعى للمحافظة على تفوق أمريكا بين دول العالم مستخدماً ما تمتلكه هذه الدولة من إمكانات مادية وبشرية.
وعند رصد التحول بين الرؤساء في أمريكا فإن المعضلة التي نواجهها في تحليلنا لهذا التحول تكمن في تفسيراتنا الفردية، فمن الملاحظ وبشدة أن الكثير من المحللين يعتقد أن السياسة الأمريكية تعتمد أيديولوجيا ثابته، وهذا خطأ استراتيجي، لأن التجربة السياسية الأمريكية أثبتت للعالم أنها تجربة مرنة تشكلها المصالح وليس أيديولوجيا ذات قواعد يستحيل كسرها كما كان الاتحاد السوفيتي قبل سقوطه على سبيل المثال.
"كمالا هيرس"، المرشحة لكي تكون نائبة للرئيس بايدن، قالت بعد ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية بشكلها الأولي "دعونا نبدأ العمل"، وهي بذلك تضع العالم أمام حيوية هذه الدولة ومرونتها السياسية قبل كل شيء، وسوف تتشكل السياسة الأمريكية خلال السنوات الأربع المقبلة وفقاً لمفاهيم تضع أمريكا ومصالحها الاستراتيجية في المقدمة، ولن تسمح مؤسسات هذه الدولة وعمقها السياسي بأن يأتي رئيس ليغير في تلك الثقافة السياسية مهما كانت آراؤه السياسية.
العالم يمر بتحولات كبرى ومنطقة الشرق الأوسط التي نعيش فيها جزء من هذا العالم، بل هي الأهم للسياسة الأمريكية، وكنتيجة لحساسية التحولات العالمية وقرب المنافسة القطبية بين أمريكا والصين وصعود روسيا وتخلخل أوروبا ونمو الهند، فإن القراءة الصحيحة للسياسة الأمريكية لا بد وأن تبدأ من هنا وليس من شخص رئيس بعينه.
بكل وضوح يدرك الجميع كيف أثرت الانتخابات الأمريكية على المشاعر السياسية في منطقتنا العربية تحديدا، وكيف انقسمت النتائج من خلال تقييم الأشخاص وليس السياسات، وهذا خطأ يتم ارتكابه مرات كثيرة عبر العقود السبعة الماضية في منطقتنا، فمثلا عندما ندرس تأثير اختلاف رؤساء أمريكا السياسي خلال السبعين سنة الماضية، فسوف نصدم من قلة عدد الأشخاص والدول الذين تأثر تفكيرهم بالكيفية التي تسري عليها السياسة الأمريكية وأدركوا مساراتها، وكما يبدو جليا أن الوقت قد حان للعمل في منطقتنا وأن تكون سياساتنا ذات وعي أكبر بالمسار السياسي الذي تتحرك في فلكه سياسات دولة مثل أمريكا لا يغيرها الأشخاص ولا الرموز السياسية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة