قرارات السياسية للإدارة الأمريكية ليست محكومة برغبات الرئيس ومزاجيته، أو أنها يمكن أن تكون "نوايا مبيته".
السؤال المتداول والطبيعي -في الوقت نفسه- بعد الإعلان عن فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن هو: هل يمكن أن تشهد منطقتنا تكرار استراتيجية الرئيس الأسبق باراك أوباما المتمثلة في دعم الفوضى؟!
هذا التساؤل رغم بساطته وما يبدو عليه من عفوية فإنه الموضوع الحقيقي في أغلب الشارع العربي وكذلك الكثير من دوائر صنع القرار في إقليمنا العربي وغيره، خاصة أن الرئيس المنتخب بجانب أنه كان نائباً للرئيس أوباما فإنه "المهندس السياسي" الحقيقي نتيجة للخبرة السياسية التي يمتلكها بايدن والتي اكتسبها خلال فترات عمله في الكونجرس الأمريكي عندما كان عضوا ثم رئيسا لمجلس العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ.
ولأن السياسة لدى البعض من المراقبين العرب لا تخرج عن كونها علاقات شخصية أو أنها تعتمد على مزاجية الرئيس فإنهم يتصورون أن بايدن جاء من أجل استكمال مشروع بدأه مع الديمقراطيين وأن إعادة الاتفاق النووي مع إيران مسألة واردة وبقوة، وكذلك الاستعانة بتنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي في تنفيذ أجندات إدارته، متناسين عن قصد المتغيرات التي حدثت خلال الفترة من 2011 إلى الآن في طبيعة تعامل الدول العربية مع القضايا الاستراتيجية.
إن استحضار العبارة التاريخية المعروفة في منهج التعامل مع الأزمات وهي: مثلما هناك تحديات في الأزمة فهناك فرص أيضاً أمر في غاية الأهمية، ولعل في أزمة ما كان يسمى "الربيع العربي" فإن الفرصة التي حصلت أن الدول الرئيسية في النظام العربي تحركت بطريقة لا تضعها في خانة "السيناريو الأمريكي الوحيد"، فقامت بمعالجة ملفاتها بالطريقة التي تضمن التعامل مع أي رئيس في أي دولة في العالم بما فيها الرئيس الأمريكي.
فغير أنها وازنت في علاقاتها الخارجية مع الدول الكبرى الأخرى مثل الصين وروسيا، فإنها نشطت على المستوى الأدنى لتشكل أساليب ضغط فاعلة تعطيها مرونة في المناورة السياسية، وذلك بتوقيع اتفاقيات مع حلفاء إقليميين مثل: الهند وإسرائيل التي طوّرت علاقتها مع عدد من الدول ذات الثقل السياسي الإقليمي ويمكن أن تمثل ضغطاً على الدول الكبرى.
وانطلاقاً من ذلك فإن القرارات السياسية للإدارة الأمريكية ليست محكومة برغبات الرئيس ومزاجيته أو أنها يمكن أن تكون "نوايا مبيتة" منذ أربع سنوات ينتظر خلالها بايدن أو الديمقراطيون الفرصة كي يعيدوا العمل بها، وإنما عملية مؤسساتية تمر عبر قنوات عدة قبل أن يتخذها الرئيس الذي يظهر في نهاية الصورة كأنه هو صاحب القرار الأوحد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، وأعتقد أن الأمر بعد عام 2013 سيكون تعامل الرئيس الأمريكي مع ملفات المنطقة العربية فيه الكثير من الحذر والانتباه، لهذا فإنه من المناسب جداً عدم استباق سياسات بايدن التي في أغلب الأحوال ستكون عكس ما يتوقعه الكثيرون.
هناك تقييم مبدئي لاستراتيجية أوباما التي كان أحد أعضائها بايدن فحوى ذلك التقييم أنها أثبتت فشلها في التخلي عن المنطقة، لأن المتنافسين دوليون وإقليميون كثر ورأينا ذلك في سوريا وليبيا، كما أثبت التقييم أن إثارة الفوضى في هذه المنطقة يضر بمصالح أمريكا نفسها وحلفائها من الأوروبيين، وبالتالي فنحن أمام احتمال أن بايدن لديه ما يقوله في تعديل وجهة النظر الديمقراطية في عودة الولايات المتحدة لتكون الدولة العظمى في العالم والاحتفاظ بحلفائه التقليديين في المنطقة، وأنه أدرك مدى خطورة سياسات تجاهل نصيحة الحلفاء الاستراتيجيين فيها، خاصة فيما يخص ملف إيران وملف تيارات الإسلام السياسي.
من غير المنطقي الحكم المسبق على تكرار سيناريو أوباما في فترة حكم بايدن ليس لأن هناك متغيرات ومحددات كثيرة حدثت خلال عقد كامل سواءً في الولايات المتحدة أو في الدول العربية، خاصة في مسألة شعبية تنظيم "الإخوان المسلمين" الإرهابي، ولكن لأن مساحته –بايدن- في اتخاذ القرار السياسي لبلاده أصبحت كبيرة، وأنه سيكون المسؤول الأول عن نتيجة ما سيحدث خلال فترة رئاسته التي سيختم بها حياته السياسية فإما أن يتوِّجها بعودة أمريكا العظمى، أو سيخلده التاريخ بأنه تسبب في تدمير صورة الدولة التي حافظت على استقرار وأمن العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وأظن أنه القرار الأول.
يشهد العالم استقراراً أكبر كلما زاد دور الولايات المتحدة الخارجي ويتزعزع هذا الاستقرار كلما تخلت عن منطقة الشرق الأوسط، محور السياسة الدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة