الأوروبيون يرون في الولايات المتحدة الأمريكية شعبياً وحتى سياسياً امتداداً للحلم الأوروبي.
يعد الاتحاد الأوروبي أهم شريك للولايات المتحدة الأمريكية، وبغض النظر عن خروج المملكة المتحدة "بريطانيا" من عضوية النادي الأوروبي قبل سنوات، فإن زعماء الدول في القارة العجوز قدموا التهنئة منذ الساعات الأولى للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن ونائبته هاريس.
لكن المفارقة السياسية تكمن في ردة فعل الأحزاب الحاكمة في أوروبا، لا سيما الأحزاب ذات التوجه الاشتراكي، فرئيس وزراء مملكة السويد ستيفان لوفين، على سبيل المثال، وقبل بدء التصويت في الولايات الأمريكية نشر عبر حسابه الرسمي على فيسبوك كلاماً مطولاً عن العلاقة المميزة بين حزبه الاشتراكي الديمقراطي السويدي والحزب الديمقراطي في أمريكا.
وفي ألمانيا تنفس الاشتراكيون الصعداء بعد خسارة الرئيس ترامب وفوز منافسه جو بايدن، ولا يخفى على المتتبع لسياقات التحالفات الأوروبية الأمريكية في مختلف المجالات عمق الخلاف الحاصل بين الجانبين في مقاربة الكثير من القضايا الدولية.
فترامب وخلال القمم المشتركة بين بلده والاتحاد الأوروبي كان يميل إلى تحقيق شعار حملته الانتخابية عام ٢٠١٦ "أمريكا أولاً"، وحتى داخل حلف شمال الأطلسي كانت إدارة ترامب تطالب الشركاء الأوروبيين بزيادة حصص الدفع لهذا التجمع العسكري الأقوى عالمياً، وتلك أمور كانت ولا تزال تثير حفيظة العديد من قيادات الناتو في الضفة الأخرى للأطلسي.
ومن المؤكد أن الأنباء التي تتسرب عن ماهية الفريق الانتقالي، الذي يشكله الرئيس بايدن، تفيد بأن الأولوية لحكمه ستكون في إطارها الخارجي متعلقة بضرورة الإسراع بترميم العلاقات الأمريكية الأوروبية، ورأب الصدع، إن وجد، نتيجة تعاطي سلفه ترامب بشكل مباشر مع دول الاتحاد، وعدم السماح لذلك الخرق أن يتسع على الراقع.
فالأوروبيون يرون في الولايات المتحدة الأمريكية شعبياً وحتى سياسياً امتداداً للحلم الأوروبي، إذا ما وضعنا بعين الاعتبار الصبغة الليبرالية للحزب الديمقراطي في أمريكا، والقواسم المشتركة بين الطرفين في ظل انشغال الإعلام الأوروبي نفسه خلال انتخابات الرئاسة الأمريكية بحجم الكتلة الناخبة ذات الأصول الأوروبية التي صوّتت للرئيس الفائز بايدن.
ويطفو على السطح، ولو بعد مدة قصيرة، عدد من الملفات الدولية الشائكة، والتي توليها الأحزاب الاشتراكية الحاكمة في أغلب دول الاتحاد الأوروبي أهمية كبيرة من خلال التنسيق مع سيد البيت الأبيض الجديد، كملف الخلاف الأوروبي مع تركيا حول شرقي المتوسط والأزمة الليبية والصراع بين أرمينيا وأذربيجان، وغير ذلك من التدخلات الإيرانية المرفوضة والمزعزعة للأمن والاستقرار العالمي.
وأما في الشرق الأوسط فإن الأوروبيين يميلون بعقيدتهم السياسية إلى التماهي الكامل مع الولايات المتحدة حول الشراكة الاستراتيجية المهمة والمفيدة لكل الأطراف مع دول الخليج العربي، خاصة السعودية والإمارات، فهذان البلدان العربيان هما حجر الزاوية في القرار الدولي الخاص بالإقليم، وتهنئة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان والقيادة الإماراتية للرئيس بايدن تمثل في بعدها الحالي والمستقبلي انسجاماً كاملاً للعلاقة المؤسساتية الراسخة بين بلدان قوية ومزدهرة ومتطورة.
وتبقى المعلومات المتوفرة حتى الساعة عن النموذج الرئاسي الذي سيعتمده الرئيس بايدن مرتبطة بعراقة النظام الديمقراطي الأمريكي الذي حاز احتراماً دولياً على مدى عقود، ومن حق الاشتراكيين وغير الاشتراكيين في أوروبا على مستوى النخب والحكام أن يدلوا بدلوهم، لكن الثابت في معايير السياسة هو أن أمريكا بصفتها الدولة الأقوى في العالم لن تتخلى عن المبادئ القويمة التي أرساها الآباء المؤسسون من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة