بدأت الليرة التركية تشق طريقها نحو قاع أعمق من القاع الذي سبقه. السبب، هو أن بايدن لن يسمح بمغامرات أردوغان.
منذ أن بدأ المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة جو بايدن يتقدم للفوز بالمنصب، بدأت الليرة التركية تشق طريقها نحو قاع أعمق من القاع الذي سبقه، والسبب هو أن الرئيس الأمريكي المقبل لا يزمع أن يسمح لرجب طيب أردوغان أن يواصل مغامراته في شرق المتوسط.
لا أحد يعرف حتى الآن، ما إذا كانت هناك تفاهمات شخصية بين أردوغان والرئيس المنقضية ولايته دونالد ترامب، ولكن الصمت والتغاضي كان علامة كافية للإيحاء بأن وراء الأكمة ما وراءها.
سوف يقال، طبعا، إن الرئيس ترامب كان منشغلا بحملته الانتخابية، ولكنّ قمتين أوروبيتين لبحث الاستفزازات التركية وتدخلا مباشرا للأطلسي لمنع احتمالات الصدام بين تركيا واليونان، ووقوف الأزمة في ليبيا على حافة معارك جديدة حول سرت والجفرة، كانت أكبر من أن يتم تجاهلها أو اتخاذ موقف متردد بشأنها.
وهناك من المؤشرات ما يكفي إلى أن الاتصالات المباشرة والمتكررة من جانب أردوغان مع الرئيس ترامب ربما سعت إلى عقد صفقة من نوع ما.
موقف الرئيس ترامب من الاتحاد الأوروبي معروف أيضا، والعلاقة بين الطرفين لم تكن متقلبة فحسب، وإنما مريرة أيضا، في السياسة والاقتصاد معا.
جزء كبير من لعبة المصالح يتعلق باحتلال فراغات قد تنشأ هنا أو هناك، ولقد حاول أردوغان أن يستغل "الفراغ" في العلاقة المتوترة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ولكن من أجل التخريب لا البناء.
اندفع أردوغان لكي يُملي بالقوة وضعا في شرق المتوسط، أقل ما يقال فيه إنه عدواني وشرس، لكي يفرض خرائط جديدة على دول المنطقة.
ولم يتلقَّ أردوغان من جانب الولايات المتحدة إلا تحذيرات محدودة، ولولا إشارات شجاعة من جانب وزير الخارجية مايك بومبيو، وضعت حدودا للصمت، فإن أردوغان كان سيمضي قدما بالمزيد من الاستفزازات.
لا شك أن الرئيس ترامب لم يكن ليترك خيوط اللعبة تفلت من يده، إلا أن أردوغان شاء أن يفهم ما أراد أن يفهم، أو ما يناسبه من الفهم، لكي يواصل أعماله العدوانية.
هذه الصفحة طُويت الآن، ومنذ اللحظة التي بدا فيها أنه سيكون هناك ساكن جديد للبيت الأبيض، عمّ الاكتئاب على أوضاع الليرة التركية، واستؤنفت مسار التراجع.
مراد أويسال، محافظ المصرف المركزي، كان هو الضحية الأولى، فبرغم أن هذا الرجل كان متراخيا حيال الحقائق وينفذ سياسات أردوغان الارتجالية بشأن معدلات الفائدة، وكان هو نفسه بديلا لضحية سابقة في المنصب، فإنه دفع ثمن الارتجال والتراخي في آن معا.
الحقائق كانت تتطلب معدل فائدة أعلى للمحافظة على قدرة الليرة التركية على الصمود، وهذا ما تمسك به محافظ المصرف السابق مراد جتينقايا قبل أن يتم طرده. من دون ذلك، ينشأ نوع من اقتصاد وهمي قائم على استقرار كاذب.
والحال، فعندما تحافظ على سعر فائدة لا يتناسب مع قوة الضغط التي تتعرض لها العملة، فإن ذلك سوف يُنشئ تلقائيا ما يُشبه الحفرة من تحت الأرضية التي تقف عليها.
الاقتصاديون يعرفون أن معدل الفائدة إنما يتوازن مع معدل التضخم. وعندما تكون معدلات التضخم عالية، وتظل الفوائد منخفضة، فالحفرة التي تنشأ من الفارق يتعين أن يتم ردمها. وما لم تتوفر وسائل كافية للردم، فذلك يعني كارثة توشك على الوقوع لأي سبب.
الكارثة كانت قائمة أصلا، والردم لا تتوفر له موارد، والسياسات العدوانية ظلت تبدو كما لو أنها صراعا "دونكيشوتيا" مع طواحين الهواء، إذ لا الأوروبيون كانوا سوف يسمحون لأردوغان بالحصول على مكاسب لا يستحقها على حساب اليونان وقبرص، ولا العرب كانوا سيسمحون له باحتلال منابع النفط في ليبيا على حساب الليبيين.
إشارة واحدة من بنسلفانيا كانت تكفي للإطاحة بمحافظ المصرف المركزي التركي، إشارة أخرى من البيت الأبيض الجديد، سوف تكفي لكي يردم أردوغان على نفسه ما لم يكن قادرا على ردمه تحت الليرة.
الغالبية العظمى من الأتراك يدركون الآن أن ردم رئاسة أردوغان، وليس فقط ردم الهوة تحت الليرة، هو البداية الصحيحة لإنقاذ البلاد من الانهيار.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة