انتهت الانتخابات الأمريكية بإعلان فوز بايدن عبر وسائل الإعلام الأمريكية قبل أن يعتمد رسمياً، معتبرة أنه نصر لها.
الانتخابات الأمريكية تعد موسماً منتظراً ودسماً لوسائل الإعلام في أمريكا بل وفي العالم، لكن ما حدث في هذه النسخة التي تأتي وسط ظروف معقدة بسبب جائحة كورونا وما خلفته من تداعيات قلبت التوقعات والموازين بما خدم المرشح بايدن في منافسة الرئيس ترامب، فقد كانت نسبة كبيرة من وسائل الإعلام الأمريكية في حالة اصطفاف مع بايدن وعداء منقطع النظير مع الرئيس ترامب، ما أعطى انطباعاً بأنه إعلام متحامل، فكل وسائل الإعلام ومن أسسها ويعمل بها، قطعاً لهم ميولهم الحزبية والفكرية ولا يخفون ذلك، فهم بالفعل محسوبون على الحزب والفكر الذي يميلون له، وليس للحياد الإعلامي أي مكان في عملهم، فالحياد بالإعلام ينتهي عند نقل الخبر كما هو من مصدره، وبعد ذلك يكون الرأي ليس محايداً، بل يمثل الفكر الذي يؤمنون به.
فإذا سلمنا بهذا التلازم بين الإعلام والانتخابات، أو بتعبير آخر كما قال نعوم تشومسكي: "دور وسائل الإعلام في تضليل الجماهير أو ما سماه هو القطيع الضال، ومحاولة جعلهم دائماً في مقاعد المشاهدين لا في مقعد الصانعين، على اعتبار أن هذه الوسائل لها من السلطة ما هو قادر على إعادة بناء الواقع، فيكون الأثر مصدراً للدهشة والحيرة، فقد تابع العالم بشغف سير الانتخابات حتى لو لم يدرك أو يفهم جوهر هذا السباق الرئاسي وحساباته المعقدة، قد يكون هذا الاهتمام تحول من قلب الأدوار إلى ظاهرة مدهشة، لذا فإنني أعتقد أن هذا الاهتمام غير قادر على تحديد علاقة الإنسان بالعالم، خصوصاً في العالم العربي، قد تكون الثقافة السائدة المكتسبة عن طريق التنشئة الاجتماعية هي نفسها التي تؤسس لعلاقة الإنسان بالعالم.
على الرغم من أن الدول العربية تعيش مزيداً من العوائق ولكن العقل الكوني يربطها بالعالم، وهذا ما يؤكده الواقع من جهات وشخصيات إعلامية راهنت على فوز الرئيس ترامب بالانتخابات، واعتبر الكثير أنها مادة إعلامية منحازة يرتبط مصيرها بوجود الرئيس في البيت الأبيض، وأن خسارته الانتخابات وفوز جو بايدن سيؤديان لنتائج كارثية عليها.
فيفترض على من يعتلي منابر الإعلام أن يجعل لبلاده مكانة عالية بين دول العالم، وأن يظهر الصفات الضرورية المتزنة كي لا يخرق أحد قوانين مجتمع ما من الممكن أن تكون نافعة لذلك المجتمع، ويحتاج إلى أن يدرك أنه ليس بوسعه فعل شيء بالنسبة للأحداث، ويعنينا في هذا المقام على وجه الخصوص أن نذكر الأسباب التي جعلت تفاعل عدد من الإعلاميين العرب يعد بمثابة ترويج لخطاب تلك الوسائل الإعلامية المنحازة، وأياً كانت نتائج الانتخابات الرئاسية فلا مبرر لهذا الخطاب العاطفي.
هكذا يتبين أن التكسب الإعلامي في منطقتنا من الفضائيات التي تغطي الأحداث وتواكب تطورات الانتخابات الأمريكية بمزيد من الضجيج، لن يستفيد أحد منها شيئاً سوى القائمين عليها وقد ابتكروا نماذج جديدة لكسب عدد المشاهدات وجذب انتباه المشاهد، ليحرك مواقفه ويحل أزماته ويوجهها بدوره انطلاقاً من ضرورته ونتائجه، لتكون متابعة ومواكبة لكل الأحداث من خلال أفكارها ومواقفها.
انتهت الانتخابات الأمريكية بإعلان فوز بايدن عبر وسائل الإعلام الأمريكية قبل أن يعتمد رسمياً، معتبرة أنه نصر لها، فقد أثرت بالمشهد الانتخابي بدعمها لبايدن، وأكدت أنها لا تعمل بالحياد فهي تتبع ميولها بعكس ما أراد بعض مثقفي العالم العربي المعجبين بأمريكا الذين صوروها كوسائل إعلام محايدة. بينما أثبتت بالدليل القاطع أن بها الكثير من الاصطفاف مع ميول الفكر الذي يسيّرها، لذلك لا ينبغي النظر إلى ما تطرحه هذه الوسائل، لأنه بكل تأكيد ينبع من ميول وتمرير مصالح ضيقة تفتقد للمهنية والحيادية.
تبدو المسألة في غاية التعقيد إذا بحثنا عن الإجابة لكل الأسئلة المعلقة، ولكن لا يسعنا أن نقول في هذا الصدد إلا أن عصرنا الحالي بدأ كل العالم يخرج من وحدته الخاصة، حتى تدرجت التناقضات بصفة تصاعدية في العالم المتقدم، وهذا ما يسهم في خاصية تعقيد العالم والإنسان، واستحالة تأسيس العقل على منطق عدم التناقض، فكل ثقافة أو ميدان معرفي يشكل صورة معينة عن الواقع.
نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة