انتخابات عام 2020 لها الكثير من الخصوصية فيما يتعلق بملفات المنطقة العربية الساخنة منذ عام 2011.
منذ تحول الولايات المتحدة الأمريكية إلى دولة عظمى عقب الانتصار في الحرب العالمية الثانية والانتخابات الرئاسية الأمريكية تعد قضية دولية وليست مجرد شأن داخليٍّ أمريكي، وذلك لما لها من تأثير على السياسة الخارجية الأمريكية وطريقة التعاطي مع الملفات العالمية، ولكن انتخابات عام 2020 لها الكثير من الخصوصية فيما يتعلق بملفات المنطقة العربية الساخنة منذ عام 2011، فما بين جمهوريين وديمقراطيين هناك هامش من السياسة التي قد يحبذه طرف من الأطراف دون سواه، ومن خلال هذا الهامش يمكننا التفصيل في أبرز الملفات العالقة على الساحة العربية التي ترنو إلى ساكن البيت الأبيض عام 2020:
أولاً: الساحة السورية: على الرغم من أنّ السياسة الأمريكية لم تتأثر بشكل مباشر فيما يخص الساحة السورية التي لم تفعل إدارة الرئيس "دونالد ترامب" شيئاً مغايراً عن الذي فعلته إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما" فإنّ هناك بعض النقاط التي تشكل متغيراً وإنْ كانَ ثانويّاً وليس جذرياً، ولكنه قد يعطي بعض الارتياح لطرف على حساب طرف آخر.
فإدارة الرئيس "أوباما" الديمقراطية كانت تفضل المراقبة عن بعد والتعاطي مع الملف بمراوغة سياسية وتحذيرات مقتضبة وجدية في عدم المساس بالخطوط الحمراء التي تتعارض والمصلحة الأمريكية، فهي لم تتجنب الدخول إلى الساحة من خلال ملف التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، ولكنها في الوقت ذاته كانت تطلق اليد الروسية والتركية في سوريا على مبدأ النأي بالنفس حتى تتبين لمن سترجح الكفة على حساب قدرتيهما العسكرية والسياسية.
أما الرئيس "ترامب" فقد دخلت إدارته على الملعب السوري بوضوح أكثر فمرة تتقارب الولايات المتحدة مع تركيا ومرة أخرى تعاقبها عندما ترى منها تعنتاً ومحاولة اللعب بأكبر من حجمها، وكذلك بالنسبة لروسيا، أما قوات سوريا الديمقراطية فترى في الإدارة الأمريكية الجمهورية أكثر دعماً وفي الوقت نفسه أكثر وضوحاً من الإدارة الديمقراطية، لتأتي المعادلة على الساحة السورية بأنّ الأطراف المتصارعة عليها - فيما عدا الروس - تفضل الإدارة الجمهورية.
أما روسيا فتفضل الإدارة الديمقراطية لما تتصف به من مرونة سياسية تأخذ بعين الاعتبار حجم روسيا الطبيعي كلاعب دولي لا بد من مراعاة مصالحه على مستوى الخطاب والفعل، أما الجمهوريون فعلى الرغم من وعيهم ومراعاتهم للمصلحة الروسية عملياً فإنهم خطابياً لا يُرضون الزخم المعنوي الروسي بإيلائه الاهتمام المطلوب.
ثانياً: الساحة العراقية: لا يختلف الأمر كثيراً على الساحة العراقية فعلى الرغم من أنّ الجمهوريين هم الذين سلموا العراق عام 2003 لإيران بعد أنْ قرر الرئيس الأمريكي حينها "جورج بوش الابن" غزو العراق وإسقاط نظامه، وما تمخض عنه من تولي الموالين لإيران حكم العراق، إلا أنّ الإيرانيين يفضلون الديمقراطيين، لما يتصفون به من مرونة سياسية على الأقل في المستوى الخطابي الذي تعول عليه إيران كثيراً في تهدئة الشارع الإيراني من جهة، ولإغواء عملائها من سياسيين ومليشيات في المنطقة العربية عموماً والعراق على وجه الخصوص بأنّها قوة لا يستهان بها وقادرة على مواجهة الولايات المتحدة.
أما الداخل العراقي المنقسم بين موالٍ لإيران وعاملٍ من أجل العراق، فهم كذلك يعولون على الجانب المرن والصلب في السياستين المختلفتين، فأما الموالون لإيران فهم كسيدتهم يفضلون سياسة الإدارة الأمريكية الديمقراطية، أما العاملون من أجل العراق والعراقيين فيفضلون الإدارة الجمهورية التي على الأقل تحجّم إيران خطابياً، الأمر الذي يعزز مواقفهم السياسية على المستوى الشعبي العراقي الرافض للوجود الإيراني، بما يضمن لهم الزخم اللازم لحث الشعب على مواصلة التفافه حول القوى الوطنية العراقية.
لا يشكّ عاقلٌ بأنّ الولايات المتحدة إنما هي دولة مؤسسات، وأنها دولة عظمى تتمتع بسياسة خارجية قائمة على التوازن الدولي الذي يضمن مصالح الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها، وأنه مهما كانت السياسة التي سيتبعها أي رئيس أمريكي إنما هي تسير نحو الهدف الموحد الذي لا يختلف عليه الأمريكيون باختلاف أحزابهم أو مرجعياتهم السياسية، إلا أنّ الهامش البسيط في طريقة التعاطي مع الأوراق السياسية تشكل فارقاً كبيراً، لا سيما في عامل الوقت الذي يلعب عليه كل السياسيين، فالإدارة الجمهورية تفضل الإنجاز بسرعة أما الديمقراطية فمن سماتها الهدوء والتؤدة التي قد تستنزف الكثير من الأرواح وتهدر الكثير من الطاقات، ولذلك يبقى لساكن البيت الأبيض منعكسات سياسية على مستوى العالم أجمع
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة