لن يوجد إرهاب باسم الإسلام دون تنظير الإسلاموية له، ولن يستمر وينمو خارج نطاق المجتمعات المسلمة دون تبريره وتطبيعه.
إن منظري الإسلاموية، فضلاً عن الاتجاه السائد بين الباحثين الغربيين، يشرعون أو يبررون أو يطبعون التطرف الذي يؤدي إلى العنف باسم الإسلام "الإرهاب الإسلاموي". ولا نستطيع إنكار أن الإرهاب يستخدم جيوسياسيا من قبل بعض ساسة هذا العصر كأردوغان.
ولذلك يجب اعتبار كل هؤلاء على رأس سلسلة، تتكون الحلقة الأخيرة منها من الأشخاص المتورطين بشكل مباشر في هذا الإرهاب الإسلاموي. فلن يوجد إرهاب باسم الإسلام دون تنظير الإسلاموية له، ولن يستمر وينمو خارج نطاق المجتمعات المسلمة دون تبريره وتطبيعه من بعض الباحثين والإعلاميين وقادة الرأي الغربيين.. وهم كثر. ولن يصبح ظاهرة عالمية إلا باستخدامه جيوسياسيا أو بغض الطرف عنه لأسباب جيوسياسية، كما يتم حاليا مع تركيا أردوغان. التنظير للإرهاب وتبييضه واستخدامه جيوسياسيا أو بغض الطرف عنه لأسباب جيوسياسية هو رأس الإرهاب.
عدم وجود تعريف دولي للإرهاب تترتب عليه واجبات وحقوق وآلية محاسبة حتى الآن، ويؤكد فرضية الاستخدام الجيوسياسي للإرهاب، أو غض الطرف عنه لأسباب جيوسياسية. فأي تعريف مبدئي للإرهاب سيكشف كم الإرهابيين الذي نعيش بينهم، ومنهم دول وأكاديميون وإعلاميون في الشرق والغرب.
فالإرهابي ليس هو فقط من يقوم بتسهيل أو تنفيذ عمل إرهابي، وهو استخدام العنف من قبل شخص أو أكثر ليس مخولا له استخدامه "لأنه عمل من أعمال الدولة والقاصر عليها فقط"، من أجل أو بالادعاء أنه من أجل قضية سياسية أو عرقية أو دينية، بهدف إرهاب من استخدم ضده مباشرة أو المجتمع الذي يعيش فيه، أو أجهزة الدولة التي وقع في نطاقها الفعل، أو مجموعة الدول المتحالفة معها، أو الإقليم أو العالم؛ وإنما الإرهابي هو أيضا من نظر وشرعن وبرر وطبع للإرهاب، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. هو أيضا من تعاون مع الجماعات والخلايا القابلة لاستخدام العنف لنشر أفكارها أو فرضها في الحال أو لاحقاً.
الإرهابي هو أيضا من يبرر للفعل الإرهابي، مرجعا إياه فقط لأسباب اقتصادية أو سياسية أو لأمور خاصة بحقوق الإنسان أو الديمقراطية، متناسيا دور الأيديولوجية الإسلاموية في التطرف المؤدي إلى العنف - زوراً- باسم الإسلام. هو أيضا من يقدم التغطية الإعلامية أو التحليلات التي تحقق أهداف العمل الإرهابي قبل أو بعد وقوعه أو تعفي أو تهون من مسؤولية الأيديولوجية في العمل الإرهابي أو من مسؤولية مرتكب الفعل الإرهابي. الإرهابي هو أيضا من يستخدم حتى ولو بشكل غير مباشر الإرهاب لتحقيق أهدافه الجيوسياسية.
باختصار، من يشرعن وينظر للعنف من الإسلامويين، وشريحة من الباحثين والإعلاميين وقادة الرأي الغربيين ممن يبيضون التطرف الإسلاموي المؤدي للعنف أو للإرهاب، وقادة وأجهزة الدول التي تستخدم تلك الظاهرة لتحقيق أهداف ومكاسب جيوسياسية قصيرة النظر، ألا يحق لنا، بل ويتوجب علينا، معاملتهم معاملة الإرهابيين، وتشريع وسن وتفعيل قوانين ضدهم تحمي المجتمعات من شرورهم؟
ولنعطي أمثلة ملموسة على بعض ما ذكرنا من أعمال إرهابية بحسب هذا التعريف ولم يعاقب عليها فاعلوها حتى الآن.
المثال الأكثر تعبيرا ومرارة عمن يشرعن وينظر للعنف من الإسلامويين ويفلت من العقاب، هو مثال "نداء الكنانة"، وهو البيان الصادر عن 159 شخصا ممن وصفهم هذا النداء بـ"علماء الأمة"، وهم "شيوخ وعلماء" من حلفاء وأنصار جماعة "الإخوان". تضمن هذا النداء الصادر عام 2015 دعوة صريحة للمزيد من ممارسات العنف، ضد الحكومة المصرية، إضافة إلى تهديدات بـ"القصاص"، طالت كل السياسيين والعسكريين والقضاة والإعلاميين. وكان هذا البيان من مسوغات اسشهاد النائب العام المصري هشام بركات، على يد الأذرع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين، التي اعتبرت ذلك "النداء" فتوى من الموقعين عليه للجوء للإرهاب ضد مصر بكل فئاتها المعارضة للإخوان.
من جانب آخر، لن نجد مثالا أفضل من الأنظمة الحاكمة في قطر وتركيا للتدليل على استخدم التطرف المؤدي للعنف باسم الإسلام، لتحقيق أهداف ومكاسب جيوسياسية.
فعلى الجانب القطري المحرض والمشرعن للعنف في مصر، وأثناء عرض مسلسل الاختيار المصري في شهر رمضان المنصرم، نشرت قناة الجزيرة القطرية مقالا ترى فيه أن الإرهابي هشام عشماوي لم يفعل شيئا سوى أنه "سلك طريق المقاومة المسلحة"، وأن رفاعي سرور منظر الإرهاب ما هو إلا "شيخ فاضل وشخصية إسلامية بارزة"! وفي شهر يوليو 2020 استضافت قناة "الجزيرة مباشر" يحيى موسى، العقل المدبر لاغتيال النائب العام المصري هشام بركات عام 2015، والهارب لتركيا، ليتحدث عما سماه زوراً "فشل" مصر في مواجهة كورونا.
على الجانب التركي نكتفي هنا بما قاله رئيس وزراء أردوغان السابق داود أوغلو، أمام حشد في مدينة صقاريا بمنطقة مرمرة: "كثيرون سيخجلون من النظر في وجوه الناس، إذا فتحت دفاتر الإرهاب ومكافحته، وستسوَّد وجوه كثيرة". ولا يجب أن ننسى في هذا الإطار أيضا، أنه في عام ٢٠١٥ وهو يعرض أدلة دعم تركيا أردوغان للإرهاب، استغرب أناتولي أنطونوف نائب وزير الدفاع الروسي من صمت المجتمع الدولي، وكان ذلك قبل أن تنضم روسيا للمجتمع الدولي الصامت على دعم تركيا للجماعات الإرهابية.
فيما يخص الباحثين والإعلاميين وقادة الرأي الغربيين ممن يبيضون التطرف الإسلاموي المؤدي للعنف أو للإرهاب، نكتفي هنا بالباحث الفرنسي فرنسوا بيرجا، الذي يبرئ نمط التدين المنغلق والمتشدد الإسلامي الذي يتربى عليه منتسبوه، وخاصية انتقالهم السريع لممارسة العنف، منكراً تمامًا دور النص الأيديولوجي المؤسس للعنف لديهم، وحاصراً أسباب هذا التطرف والعنف والإرهاب فقط في التهميش الاقتصادي والاجتماعي والسياسي باعتبارها وحدها العوامل الوحيدة لهذا العنف.
حرب بالإرهاب تشن إذن على العالم وبالأخص على العالم العربي من قبل الإسلاموية المتطرفة المشرعنة للعنف بطبيعتها وشريحة من الباحثين والإعلاميين وقادة الرأي الغربيين ممن يبيضون ومن قادة وأجهزة دول تستخدم تلك الظاهرة لتحقيق أهداف ومكاسب جيوسياسية قصيرة النظر. ودون مكافحة هؤلاء بالحرب على الحرب بالإرهاب لن تكون هناك حرب حقيقية ناجعة على الإرهاب. فلا نريد أن يأتي زمان يقال لنا علناً فيه: بما أن الحرب هي ممارسة السياسة بوسائل أخرى فالإرهاب هو الآخر ممارسة السياسة بوسائل أخرى!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة