لو كانت بعض الحكومات العربية التي تغرد خارج السرب الوطني لديها حس سياسي بما تفعله تركيا وإيران لكان التأثير العربي مختلفا
اتفاق رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج مع رئيس النظام التركي أردوغان حول التعاون الأمني والعسكري لا بد له أن يقلق الدول العربية والدول المجاورة لها ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يطمئن كل ذي رؤية سياسية، بل ما ينبغي أن تخشاه هذه الدول أن تكون هذه الاتفاقية وغيرها بداية لتحقيق الرئيس التركي حلمه بعودة الإمبراطورية العثمانية، أو كما سماه قبل فترة "إرث أجداده"، أو تكون تلك الاتفاقية تمهيدا لتوريط بعض الحكومات العربية التي قبلت على نفسها أن تكون أدوات يستخدمها الأتراك والإيرانيون للتمدد في الدول العربية.
ليس هذا هو الاتفاق التركي الوحيد مع حكومة عربية يعطي فيها أردوغان نفسه فرصة بأن يكون له نفوذ في داخل الدولة العربية، فهناك اتفاق أمني وعسكري أيضاً مع النظام القطري قبل عدة أعوام جعل من الدوحة "قاعدة عسكرية"، كما أن "غزوته" في شمال سوريا لا يزال يذكرها الرأي العام العالمي، ودوره في خلق منطقة عازلة فيها، ناهيك بتلك التدخلات الإعلامية في الشأن العربي مثل تهييج الرأي العام العالمي لقضية مقتل الصحفي السعودي خاشقجي ودعمه تنظيم الإخوان المسلمين في مصر، ما يعني أن الرجل لا يخفي طموحاته السياسية الإقليمية، ولا يجد حرجاً في الإعلان عن أحلامه الأيديولوجية من خلال أفراد "الجماعة" الذين يمثلون طابوراً خامساً في العالم العربي.
لو كانت بعض الحكومات العربية التي تغرد خارج السرب الوطني لديها حس سياسي بما تفعله تركيا وإيران من أجل خلق "مسارات متعددة" لإضعاف الدولة الوطنية العربية لكان التأثير العربي مختلفا والسيطرة على مقدراته أكبر
لن نكون مبالغين إذا قلنا إن الحكومات العربية التي وقعت اتفاقيات مع أردوغان، لن يخرجوا منها بشيء يذكر لصالح أوطانهم، وإن اعتقدوا ذلك فهم واهمون أو لم يعرفوا حقيقة طريقة تفكيره المبنية على فكر الإخوان، بل سيكونون هم الطرف الخاسر الأكبر فيها لأنه معروف عنه تطرفه البراغماتي الذي يتعامل به مع الطرف الآخر أياً كان، ورأينا ما فعله مع رفقائه في المسيرة السياسية ومع نظام بشار والفلسطينيين. ولأن أيضاً الهدف من هذه الاتفاقية لن يكون في الجوانب الأمنية والعسكرية التي تخدم الدولة الليبية فإنها ستدعم المليشيات التي تدمر ليبيا لخدمة المشروع التركي من خلال إثارة القلق لدى الجوار الليبي العربي خصوصا في تونس ومصر، فليبيا ليست إلا موطئ قدم لتحركات أكبر إقليمياً.
النظام التركي كما النظام الإيراني، قبل الاحتجاجات الأخيرة، كان قد نجح في أن يفرض واقعاً جديداً في الدول العربية من خلال تلك الاتفاقيات التي تسمح بالتدخل في الشأن الداخلي للدول العربية، فالكل يعتبره من السلوكيات التي تدين من يفعلها ويحسبونه فعلاً فاضحا، لأنه يدل على تراجع مكانة الحس الوطني والقومي لحسابات الآخرين.
الفكرة أنه لو كان للنظام العربي (الجامعة العربية) حضور سياسي أقوى في الإقليم، ولو كانت بعض الحكومات العربية التي تغرد خارج السرب الوطني لديها حس سياسي بما تفعله تركيا وإيران من أجل خلق "مسارات متعددة" لإضعاف الدولة الوطنية العربية لكان التأثير العربي مختلفا والسيطرة على مقدراته أكبر.
إن دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود لكل قادة الدول الخليجية لحضور القمة الخليجية الـ40 التي تعقد اليوم في الرياض، خطوة عملية مهمة في محاولة منها باعتبارها قوة إقليمية عربية صاعدة من أجل تصحيح مسار الطريق لهذه الحكومات العربية ومنها دول خليجية. كما أنها خطوة تفسر رغبة المملكة في اختراق كثير من الحواجز النفسية والسياسية مع دول اعتادت على "إغاظة" أشقائها وفعل أعمال تعود بالسلب عليها قبل الدول العربية من خلال تقديم "خدمات" سياسية مجانية لتركيا وإيران، حيث يمكن أن نسميها قمة إيقاظ الضمير العربي تجاه الوطن الكبير، لأن الكيان الخليجي بات اليوم محور السياسة العربية والسعودية هي قائدة فيها.
وفق ذلك لا غرابة أن يتابع العرب كلهم وليس الخليجيون القمة التي تعقد اليوم ويتسمروا أمام شاشات التلفاز، لأن أوضاع العرب ومستقبلهم ليس ملك حكومة السراج ولا النظام القطري، على اعتبار أن أي حديث عن صحة النظام العربي الكامل وعافيته السياسية شبه مستحيل بدون أن يشارك فيه الجميع ويشعروا بالمسؤولية القومية تجاه شعوبهم!!
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة