تتمثل أهمية هذا التحليل في أنه يُشير إلى المجالات التي ينبغي أن يهتم بها المسئولون وصُناع السياسات العامة
صدر من عدة أيام تقرير التنافسية العالمية لعام 2019 الذي يُعده المنتدى الاقتصادي العالمي المشهور باسم "منتدى دافوس" وهو التقرير الذي بدأ المنتدى في إصداره من عام 1979 والذي يهدف إلى إبراز العوامل المؤثرة على عناصر التنافسية الاقتصادية التي تتمتع بها كل دولة من حيثُ الإنتاجية والقُدرة على النمو الاقتصادي على المدى الطويل والتي تُمكنها من تحقيق التقدم ورفع مستوى الخدمات المُقدمة لمواطنيها فيما يُعرف باسم مؤشر التنافسية العالمي.
ويرتبط هذا المؤشر بمدى تحول الاقتصاد إلى أساليب "الاقتصاد الرقمي" أو " اقتصاد المعرفة"، والانخراط في الثورة الصناعية الرابعة والاستفادة من نتائجها. ويعتمد هذا المؤشر المُركب في ترتيبه للدول على البيانات الخاصة بعدد 103 مؤشرات فرعية يتم تجميعها في اثني عشر موضوعًا وهي: المؤسسات، والبنية التحتية، وتبني تقنيات الاتصال والمعلومات، والاستقرار الاقتصاد على المستوى الكلي، والصحة، والمهارات، وسوق العمل، وسوق الإنتاج، والنظام المالي، وحجم السوق، وحيوية أداء الأعمال، والقُدرات الابتكارية.
لقد خلص التقرير إلى التوصية بعدد من السياسات والتدابير للدول الراغبة في الارتفاع بمستوى قدرتها التنافسية وهي: الاستمرار في سياسات الانفتاح والتعاون الاقتصادي الدولي، وتغيير النظم الضريبية بما يجعلها تضع ضغوطا على الأنشطة الاقتصادية المضرة بالبيئة، وتشجع تلك الصديقة لها، وزيادة الحوافز لتطوير قدرات البحث والتطوير والابتكار
غطى تقرير هذا العام عدد 141 دولة، ووفقًا له فإن أكثر عشر اقتصادات تنافسية هي على الترتيب: سنغافورة، والولايات المتحدة الأمريكية، وهونج كونج، وهولندا، وسويسرا، واليابان، وألمانيا، والسويد، والمملكة المتحدة، والدنمارك. ويلاحظ لأول وهلة أن ستا منها تنتمي إلى القارة الأوروبية، وثلاثا إلى آسيا هي: سنغافورة وهي جزيرة يبلغ عدد سكانها حوالي 5.6 مليون نسمة، ثلثهم من الأجانب. وهونج كونج وهي جزيرة أيضًا يبلغ عدد سكانها 7.2 مليون نسمة وهي جزء من دولة الصين تتمتع بوضع قانوني واقتصادي خاص، وأمريكا أول اقتصاد في العالم من حيث الحجم والدور.
كما يلاحظ أن هذه الاقتصادات العشرة هي نفسها التي تصدرت تقرير التنافسية العالمي لعام 2018 مع بعض التعديلات في ترتيب المراكز. إذ تبادلت سنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية المركزين الأول والثاني، وتقدمت هونج كونج من المركز السابع إلى المركز الثالث لتحل محل ألمانيا، وتقدمت هولندا من المركز السادس إلى المركز الرابع لتحل محل سويسرا. واحتفظت اليابان والسويد والمملكة المتحدة والدنمارك بنفس ترتيب العام الماضي.
فماذا عن ترتيب اقتصادات الدول العربية؟ وأين تقع من هذا المنظور العالمي؟
شمل التقرير عدد 14 دولة عربية فقط ممن توافرت عنها معلومات، أما الدول التم لم يغطها التقرير فهي ليبيا، والسودان، والصومال، وفلسطين، وسوريا، والعراق، وجزر القمر. وإذا قسمنا الدول المشمولة بالبحث إلى أربع مجموعات: الأولى: من (1-34)، والثانية من (35-69)، والثالثة (70-104)، والرابعة (105-141). فإنه يمكن تسكين اقتصادات الدول العربية التي شملها التقرير على النحو التالي:
في المجموعة الأولى، تقع دولتان هما: الإمارات العربية المتحدة وترتيبها (25)، وبهذا فإنها تشغل المرتبة الأولى بين الدول العربية وهو نفس ترتيبها في تقرير عام 2018، وتليها قطر (29).
ويقع في المجموعة الثانية أربع دول هي السعودية (36)، والبحرين (45)، والكويت (46)، وسلطنة عمان (53). وهكذا فإنه لم يندرج في هاتين المجموعتين سوى الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي.
أما الدول العربية الثماني الأخرى فقد توزعت على المجموعتين الثالثة والرابعة. فوقع في المجموعة الثالثة عدد ست دول هي: الأردن (70)، والمغرب (75)، وتونس (87)، ولبنان (88)، والجزائر (89)، ومصر (93). وأخيرًا قبع في المجموعة الرابعة كل من موريتانيا (134)، واليمن (140). وهي الدولة ما قبل الأخيرة في التقرير.
وبمراجعة مرتبة اقتصادات الدول العربية هذا العام بنظائرها في العام الماضي -مع الأخذ بعين الاعتبار أن إجمالي عدد الاقتصادات التي شملها تقرير 2018 كان 140 مقارنة بعدد 141 في هذا العام.. يتضح أن أغلب الدول العربية قد أحرزت تحسنًا في ترتيبها، فتقدمت الكويت ثمانية مراكز، والبحرين خمسة مراكز، والسعودية ثلاثة مراكز محققة بذلك أكبر تقدم في ترتيبها من سبعة أعوام، والأردن والجزائر ثلاثة مراكز لكل منهما، والإمارات مركزان، ومصر مركز واحد، وقطر مركز واحد. وحافظت دول أخرى على نفس الترتيب وهي المغرب وتونس واليمن. بينما تراجع ترتيب اقتصادات دول أخرى، وكان أكثر الاقتصادات تراجعًا هو لبنان من المركز 80 إلى 88، تليه سلطنة عمان التي انتقلت من المركز 47 إلى 53، وموريتانيا التي تراجعت من المركز 131 إلى 134،
وإذا تعمقنا أكثر في النتائج لتفسير اختلاف المراتب التي شغلتها الدول والعوامل المؤثرة عليها، فسوف يتضح لنا مثلًا أنه في حالة سلطنة عمان التي تعتبر الدولة الخليجية الوحيدة التي تراجع ترتيبها العام إلى 53، فإن ذلك يرجع إلى عدم استقرار الاقتصاد على المستوى الكلي (119)، وسياسات سوق العمل (97). وفي حالة دولة عربية كبيرة مثل مصر والتي شغلت في الترتيب العام مركز 93، فإنها حظت بترتيب متقدم في عناصر حجم السوق (23)، والبنية التحتية (52)، والقدرات الابتكارية (61)، بينما أثر عليها سلبًا ترتيبها في عناصر الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي (135)، وسوق العمل (125)، وتبني تقنيات الاتصالات والمعلومات (106).
وبالنسبة للمغرب الذي شغل المركز (75) في الترتيب العام فقد حقق تقدمًا ملحوظًا على مستوى استقرار الاقتصاد على المستوى الكلي (43)، والمؤسسات (45)، والنظام المالي (49)، فقد أثر سلبًا عليه أداء اقتصاده في مجالات سوق العمل (119)، والمهارات (111)، وتبني تقنيات الاتصالات والمعلومات (97). وفي حالة تونس التي شغلت المركز 87 في الترتيب العام، فقد اتسمت أغلب مؤشراتها بالاتساق، فيما عدا الصحة التي تم إنجاز كبير فيها فشغلت المركز (49)، وكان أكثر التأثيرات سلبًا على ترتيبها في مجال سوق العمل (133)، والاستقرار الاقتصاد على المستوى الكلي (124).
تتمثل أهمية هذا التحليل في أنه يشير إلى المجالات التي ينبغي أن يهتم بها المسؤولون وصناع السياسات العامة ويعملون على تحسين أداء اقتصادات بلادهم فيها حتى تزداد القدرة التنافسية لها.
ومن الواضح في هذا الشأن أن عددًا من الدول العربية ما زال يواجه تحديات كبيرة في مؤشرات الاستقرار على مستوى الاقتصاد الكلي، وازدياد نسب البطالة في سوق العمل، والتقدم البطيء في تبني التكنولوجيات المتطورة في مجال الاتصالات والمعلومات.
لقد خلص التقرير إلى التوصية بعدد من السياسات والتدابير للدول الراغبة في الارتفاع بمستوى قدرتها التنافسية وهي: الاستمرار في سياسات الانفتاح والتعاون الاقتصادي الدولي، وتغيير النظم الضريبية بما يجعلها تضع ضغوطا على الأنشطة الاقتصادية المضرة بالبيئة وتشجع تلك الصديقة لها، وزيادة الحوافز لتطوير قدرات البحث والتطوير والابتكار، وتطبيق السياسات التي من شأنها زيادة الحراك الاجتماعي وتكافؤ الفرص والحماية الاجتماعية للفئات المهمشة والمستضعفة والحد من عدم المساواة في الدخل، وتعزيز المنافسة العادلة بما يشجع تدفق الاستثمارات المدعمة للقدرة التنافسية.
ونرجو أن تكون هذه التوصيات محل نظرٍ وبحث من الهيئات المسؤولة عن إدارة الاقتصاد في البلاد العربية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة