الكل يؤكد أن منطقة الشرق الأوسط تمر بحالة مغايرة كثيراً عن تلك التي سادت المنطقة طوال السنوات بل والعقود الماضية.
حيث تجري سلسلة من التطورات الإيجابية في معظم ملفات ونزاعات المنطقة، باتجاه تسوية تلك النزاعات وتهدئة التوترات وتصفية الأجواء بين دول المنطقة. وبلا شك أنه، من الصعب على المراقب إيجاد تفسير واحد جازم لدوافع أو أسباب ذلك التوجه الذي يكاد يشمل كل الدول وكل الملفات التي ظلت مفتوحة لفترة طويلة. لكن هناك متغيرات ربما تساعد في قراءة وفهم ما يجري.
أهم هذه المتغيرات هو ما يسمى في لغة الاقتصاد "تكلفة الفرصة البديلة"، فقد أدى تراكم الخلافات واستمرار النزاعات المفتوحة لفترات طويلة إلى تحمل شعوب المنطقة أعباء ضخمة في كافة المجالات، خاصة مع التداخل الكبير الذي صار قائماً بين ما هو تجاري وسياسي وتنموي وأمني.
وكذلك تداخل بين الفاعلين بتقاطع الأدوار والتفاعلات بين الفرد والمجتمع والدولة والشركات والمنظمات. وفي ضوء تأثر الشعوب بتبعات ما يقوم به أي طرف داخلي أو خارجي، وتحملها تقريباً وحدها تداعيات أي تطور سلبي في الاقتصاد أو أي أزمة في أي مجال، فإن الحسابات العقلانية تدفع بالضرورة إلى مراجعة السياسات والأساليب التي تسببت في حالة السيولة التي هيمنت على منطقة الشرق الأوسط حتى وقت قريب. واضطراب المشهد الإقليمي الذي يمكن وصفه في كلمة واحدة بأن "الكل خاسر" فيه.
ومع أن صوت العقل والمنطق قائم في المنطقة ويتردد منذ زمن ليس بالقصير، إلا أن الاستجابة له لم تكن سهلة. لولا وجود قيادة حكيمة ورشيدة تملك رؤى ثاقبة وبعد نظر مستقبليا. فينعكس ذلك على سياسات وتوجهات تتسم بالحكمة في الرؤية وفي اتخاذ القرار والموضوعية في السياسات. وهو ما يتجسد عملياً وبصورة نموذجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تباشر بفضل قيادتها الحكيمة ورؤيتها العميقة الصائبة، بسياسات موضوعية وتوجهات تعاونية منفتحة على العالم وتبحث عن مصالح البشر من المدخل الإنساني، بغض النظر عن اللون أو العرق أو أي معيار ضيق يميز إنساناً عن آخر.
ومن ثم فإن حل النزاعات والاتجاه نحو تسوية الخلافات وتصفية الأجواء في المنطقة يمثل بذاته هدفاً إنسانياً رئيسياً تسعى إليه دائماً دولة الإمارات. والأمثلة على ذلك الدور المحوري الذي تلعبه الإمارات في ذلك الاتجاه عديدة ومتنوعة، فتشمل مثلاً التحركات والاتصالات الإيجابية الفعالة التي تقوم بها الدولة في الأزمة اليمنية لضمان حد أدنى من التوافق والحوار بين القوى والمكونات السياسية والمجتمعية هناك. وهو ما ينطبق أيضاً على مواقف الدولة الواضحة إزاء الأزمة في ليبيا والوضع في السودان وكذلك في العراق، حيث تتمسك الإمارات بمبدأ ثابت لا تحيد عنه وهو شمول كل الأطراف والمكونات دون إقصاء أو تهميش لأي طرف.
ومع التمسك بمنهج الحوار السلمي والحلول الوسطية التي تكفل دائماً تحقيق أفضل النتائج وهي أن يخرج الجميع فائزين. وإن كان هذا موقف الإمارات ونهجها فيما يتعلق بقضايا وملفات هي ليست طرفاً مباشراً فيها، فمواقفها وإدارتها للقضايا ذات الصلة والأهمية المباشرة أوضح تعبيراً وأكثر دلالة. فقبل أيام فقط استقبلت الإمارات علي شمخاني مستشار الأمن القومي الإيراني، في استمرارية للتواصل المباشر واللقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين. كما كانت الإمارات أولى الدول التي رحبت بالتفاهم السعودي-الإيراني الذي جرى برعاية الصين.
أما أحدث الأمثلة على قيادة الدولة لهذا التوجه التعاوني نحو لم شمل المنطقة ورأب جوانب تشققات الصدع التي انتشرت فيها، فتمثل في الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد للإمارات الأحد الماضي. والتي نتوقع أن تكون بداية حقيقية لعودة سوريا عربياً. ما يعني بدوره مزيد من التلاحم والتآزر العربي، وفرص أوسع لحل الأزمة السورية وإنهاء الوضع المتردي الذي يعيشه السوريون منذ أكثر من عشر سنوات.
وهكذا تشير الدلائل إلى أن المنطقة العربية مقبلة على مرحلة إحياء وتقترب من استعادة العرب مصائرهم بأيديهم وتثبيت الرهان ليكون عربياً خالصاً لا غير. بعد أن أثبتت كل الرهانات الأخرى قصورها عن تلبية المصالح العربية وتحقيق متطلباتها.
لذا يبدو واضحاً أن المحاولات العربية الجارية لتحقيق التوازن في العلاقة مع القوى الكبرى، ليس هدفها تغيير التحالفات أو استبدال طرف بآخر، وإنما هدفها الأول والأخير أن يكون زمام الأمور إقليمياً بين أيدي دول الإقليم. وأن تكون مرحلة التهدئة وتصفية الأجواء الجارية حالياً مقدمة لمرحلة تعاون وتكامل عربي-عربي أولاً، ليفضي بدوره إلى تكامل وازدهار عربي إقليمي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة