لقد لجأت مصر إلى حل ينطلق من طرح مبادرة سياسية لتهدئة الأزمة الليبية وتمهيد الأجواء لحلها، ووفرت لها دعما إقليميا ودوليا.
عرف عن مصر العريقة الدبلوماسية النشطة والحنكة في اتخاذ القرارات المصيرية وجمع الفرقاء ويشهد على ذلك التاريخ، فما إعادة سيناء إلى الحضن المصري إلا خير دليل على الذكاء المصري والسياسة الخارجية المتزنة، وما المبادرة المصرية الذكية باسم" إعلان القاهرة " المنسجمة مع القرارات الدولية وظهورها بعد انغماس تركيا عسكريا في ليبيا ورغبتها في الهيمنة على موارد شرق البحر المتوسط، جعلها بين التسليم بنفوذ تركيا أو الاضطرار لمواجهة تدخلاتها السافرة داخل الأراضي الليبية.
لقد لجأت مصر إلى حل ينطلق من طرح مبادرة سياسية لتهدئة الأزمة الليبية وتمهيد الأجواء لحلها، ووفرت لها دعما إقليميا ودوليا قد يساعد على تمريرها لدى القوى الرافضة المدعومة من أنقرة التي تصر على تمسكها بالتوجه العسكري، مما يؤكد حرص القاهرة على تبني حلول سياسية في التعامل مع الأزمات المعنية بها مهما بلغت درجة الانعكاسات السلبية والتهديدات التي تمثلها للأمن القومي.
إن إعلان القاهرة لتلك المبادرة يعد بمثابة صاروخ موجه سمع صداه العالم أجمعه، فقد أكدت فيه حرصها على وحدة ليبيا وكأن مصر تعلم أن هذا الاتفاق سيرفض من أردوغان ؛ لأنها تحدثت بصوت العقل وسيكون هذا بمثابة العذر لها أمام المجتمع الدولي ليضغط تجاه الحل السلمي والسياسي، حينها لن يكون بمقدور أحد أن يلوم مصر في حال قررت الدخول عسكرياً أو حتى أن يفكر في معاقبتها، لأنها فعلت كل شيء من أجل الحل السلمي، والقرار العسكري إذا اتخذته فستكون مجبرة عليه دون أي مسؤولية .
إن إعلان القاهرة لتلك المبادرة يعد بمثابة صاروخ موجه سمع صداه العالم أجمع، فقد أكدت فيه حرصها على وحدة ليبيا.
هذا الرفض والتعنت التركي جعل مصر على لسان رئيسها عبدالفتاح السيسي، ترسل رسائل قوية ومتزنة ومواقف شجاعة تؤكد من خلالها الحرص على دعم أمنها القومي وإبعاد المتطرفين واستفزازهم عن الحدود المشتركة مع ليبيا التي تمتد لأكثر من ألف ومئتي كيلو مترا، حيث أوضح السيسي أن أي تدخل عسكري مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية الدولية، سواء في ميثاق الأمم المتحدة الذي يتيح لها "حق الدفاع عن النفس"، أو بناء على طلب السلطة الوحيدة المنتخبة من الشعب الليبي "مجلس النواب"، وسيكون هذا التدخل لدعم القبائل وحمايتهم والمحافظة على سرت والجفرة، وجعلها خط أحمر بالنسبة لأمن بلاده القومي وحماية الحدود الغربية للدولة، ووقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا للوصول إلى حل وتسوية سياسية عادلة.
لقد قابل هذه التصريحات المصرية إجماع عربي أعاد التفاف الشعوب العربية حول مصر وأهميتها بوصفها قلب العروبة النابض، وهي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي في إحياء مشاعر العز والفخر العربي من جديد، حيث يتلخص هذا الإجماع في أن دعم مصر وحمايتها من الأطماع مطلب عربي وشعبي، وأنه لا يمكن السماح لتركيا أو غيرها بمواصلة عدوانها وتنفيذ مشروعها الاستعماري، ولا يمكن السماح بأن تتحول ليبيا إلى قاعدة جديدة للإرهاب وتهديد للأمن القومي العربي، والتأكيد على ضرورة استعادة استقلال وسيادة ليبيا وتحرير شعبها.
بعد هذا العداء الواضح من تركيا و إيران للعرب فإننا نأمل أن توضع استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع هذين العدوين اللدودين، لأن المساس وتهديد الأراضي المصرية وأي بلد عربي، هو مساس بكافة الأقطار العربية الأخرى وأن لا يتوقف ذلك على الاستنكار والشجب، فأي تهديد لدولة عربية ما هو إلا تهديد لكل العرب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة