قيادة دولة الإمارات تنطلق في مساعداتها من البعد الإنساني ولا سواها وهذه فلسفة نابعة من التراث السياسي لها منذ تأسيسها
عندما قررت دولة الإمارات، بتوجيهات من قيادتها السياسية إجلاء الطلبة اليمنيين العالقين في مدينة ووهان الصينية التي ينتشر فيها فيروس كورونا وتكفلت بنقلهم إلى بلدهم بعدما لم يجد صدى لنداءاتهم، لم يقتصر القرار عليهم فقط لكن شمل كل الطلبة والمقيمين العرب الموجودين في تلك المدينة الموبوءة، بل وتكفلت بالإجراءات الخاصة بالكشف عن حالاتهم الصحية للتأكد لأمتهم قبل السماح لهم بالعودة إلى بلدانهم الأصلية.
قيادة دولة الإمارات تنطلق في مساعداتها من البعد الإنساني ولا سواها، وهذه فلسفة نابعة من التراث السياسي لها منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه
ومع أن اليمنيين المقيمين في بلدانهم أو في الصين أدركوا معنى وقفة الإمارات وغردوا في وسائل إعلامهم ليس معهم، فإن الأمر هنا في دولة الإمارات لم يكن سوى عبارة عن عمل اعتيادي تقوم به الدولة بشكل طبيعي وممتد تاريخياً وجغرافياً، شأنها في ذلك شأن بقية الحالات الإنسانية التي تؤرق كثيرا من شعوب العالم وباتت تتجه إليها أنظار شعوب العالم، وأذكر أنه قد حدث المشهد نفسه أثناء أحداث 25 يناير/كانون الثاني 2011 في مصر، حيث أقلت الطائرات الإماراتية التي غادرت لإجلاء مواطنيها، إلا أن الأمر شمل المواطنين العرب العالقين هناك، ولم يتم تمييز بين أحد.
وحين قرر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن يلبي نداء طفلة عراقية للتخفيف من معاناة والدتها وتحمل نفقة علاجها من مرض السرطان، وحين أعلن سموه عن مشاركة الدولة في تجاوز الظروف الصعبة الناتجة الحرائق غير المسبوقة التي اجتاحت أستراليا، إلى أن أبدى سموه استعداد دولة الإمارات لتقديم المساعدة للصين في مواجهة فيروس كورونا، فإن كل ذلك لم يكن بهدف التسويق الإعلامي أو خدمة أجندات سياسية بقدر ما أنها قرار إنساني والتزام أخلاقي منها، لذا فإن التغطية الإعلامية لها لم تتعدَّ خبرا مقتضبا في الصحف المحلية، لكن التغطية الحقيقية كانت ممن استفادوا من المواقف الإماراتية التي جاءت في وسائل التواصل الاجتماعي (إعلام العصر) كنوع من الانبهار بما تفعله قيادة الإمارات تجاه مواطنين لا ينتمون إلى دولتها.
الحالات التي ذكرتها هي أمثلة على أشياء كثيرة لا يمكن حصرها في مقال واحد، مع أن البعض حاول استغلال هذه المواقف وتوجيه اتهامات باتت مستهلكة بالنسبة لشعوب دول عربية وغيرها، وأدركت مواقف دولة الإمارات الحقيقية، خصوصا أنها تأتي بعد أن يعجز الجميع، خصوصا الحكومات التي يتبعها هؤلاء المواطنون عن تلبية نداءات مواطنيها.
إن تصرف قيادة دولة الإمارات عموماً يعد من السلوكيات العادية ربما نظراً لتكرارها، لذا ينبغي ألا نستغرب عدم وجود صدى سياسي أو إعلامي على عكس الآخرين ممن اعتادوا أن يتاجروا سياسياً بمواقفهم تجاه شعوب معينة، ولعل آخرها تلك المسيرة السياسية في مكة المكرمة التي قام بها بعض العرب بمشاركة مع معتمرين أتراك لنصرة القدس، ونادوا بشعارات الهدف منها تلميع الرئيس التركي طيب أردوغان سياسيا، ولكن لم يدركوا أن "تجارتهم" جاءت في الوقت الضائع من الزمن، حيث لم تعد تنطلي على المواطنين العرب والمسلمين مثل هذه الشعارات المستهلكة.
الصورة بين المشهدين طبعاً مختلفة؛ هناك من يسعى إلى توفير الاستقرار النفسي والعيش الكريم للإنسان، وهناك من يبذل جهداً من أجل أن يدمر باسم الإنسانية ويجند إعلامه للتسويق لأجندات سياسية له، ولم يعد مقبولاً من شعبه قبل شعوب الدول الأخرى، ومن يقدم مساعدات باسم الأخلاق الإنسانية وباسم رسالته الواضحة.
ما يهمنا هنا شيئان اثنان؛ الشيء الأول أن قيادة دولة الإمارات تنطلق في مساعداتها من البعد الإنساني ولا سواها، وهذه فلسفة نابعة من التراث السياسي لها منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ولم تسجل المساعدات الإماراتية على تاريخها السياسي تحت أي بند غير أنه بهدف الحفاظ على استمرار الإنسانية حتى في أصعب الأزمات وأكثرها تعقيداً؛ مثل أزمة "كوسوفو" التي كان "النفس العرقي والديني" فيها واضحاً، إلا أن الإمارات نجحت بشهادة الجميع في أن تكون دولة القيم الإنسانية. الشيء الثاني أن كل شعوب الدول العربية باتت اليوم تدرك أن للقيادة الإماراتية رؤية مختلفة تجاه الإنسان العربي قائمة على عدم التمييز بين إنسان عربي وآخر، وأن مكانته بمثابة مكانة الإنسان الإماراتي، أما ما يعتقده البعض فهو نتاج انطباعاته الأيديولوجية أو فكر مظلل لأجندات لها أهدافها السياسية، وهنا يكمن الفرق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة