أرامكو السعودية.. رحلة عملاق النفط إلى العالمية على مدار 91 عاما
تعود بدايات شركة أرامكو السعودية إلى عام 1933، عندما أُبرمت اتفاقية الامتياز بين السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، تدشينا لرحلة من النجاحات والأمجاد عاشتها "أرامكو" على مدار 91 عاما.
وبدأت قصة عملاق النفط "أرامكو السعودية" بعبارة خلدها التاريخ، حينما قال الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية لوزير المالية عبدالله الحمدان عند توقيع اتفاقية الامتياز مع الشركة الأمريكية في نهاية مايو/أيار 1933 "توكل على الله ووقع"، وفقاً لما ذكره الدكتور عبدالعزيز بن لعبون العالم الجيولوجي المتخصص في جيولوجيا النفط، لصحيفة "الشرق الأوسط".
حينها تم إنشاء شركة تابعة لستاندرد سميت بكاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني (كاسوك) لإدارة هذه الاتفاقية.
ونصت المادة 23 من الاتفاقية على ما يلي "يتولى الجانب الأمريكي إدارة المشروع موضوع العقد والإشراف عليه مع مراعاة توظيف المواطنين السعوديين إن أمكن، ولا يجوز للشركة توظيف غير المواطنين إلا في حال عدم توافر الموظفين الأكفاء من السعوديين"، وقد كان لتلك المادة دورها في إعداد الأرضية المناسبة للتحول الكبير الذي شهده المجتمع السعودي منذ ذلك الوقت.
نقطة الانطلاق
عند توقيع الاتفاقية في عام 1933 كانت منطقة الامتياز 829 ألف كيلومتر مربع تبدأ من حدود العراق إلى صحراء الدهناء غربا وإلى صحراء الربع الخالي جنوبا.
ووفقا لبيانات رسمية على موقع أرامكو، فمنذ بداية انطلاق وظهور النفط كان السعوديون حاضرين بالمشهد برفقة الجيولوجيين الأوائل، وكان أبرزهم الدليل البدوي خميس بن رمثان، الذي أدهش الجيولوجيين بمعرفته الطريق والحياة في الصحراء، وقد ظل يعمل في "أرامكو" حتى وفاته عام 1959، وتكريماً له أطلقت الشركة اسمه على حقل (رمثان) عرفاناً بجميله بعد اكتشافه على مسافة 95 كيلومتراً شرق القيصومة عام 1974.
وقد أدى اكتشاف النفط في بئر الدمام "بئر الخير " عام 1938 إلى تحول هائل في السعودية ورفاهية مواطنيها، إذ استقبلت شركة سوكال في سان فرانسيسكو يوم 4 مارس/آذار 1938 برقية تفيد أن بئر الدمام رقم 7 أنتجت زيتاً بمعدل 1585 برميلاً في اليوم في المنطقة العربية من المنطقة الجيرية المسامية.
ومع بداية مايو/أيار 1939 كان أول إنتاج للنفط السعودي يتداول في العالم، وتم تعبئة أول ناقلة بالنفط الخام من ميناء رأس تنورة، ويُعدّ هذا اليوم بمثابة يوم تاريخي وعلامة فارقة، إذ ربط السعودية بالعالم الصناعي وفتح الباب على مصراعيه لفرص ازدهار البلاد ومواطنيها.
منذ هذه اللحظة بدأ ميلاد أرامكو التي أصبحت عملاق النفط عالميًا، فبينما كانت الفرص تلوح في الأفق إبان الأربعينيات، وكانت النجاحات آخذة في التراكم، حوّلت شركة "كاسوك" اسمها إلى شركة الزيت العربية الأمريكية "أرامكو".
رأس تنورة المصفاة السعودية الأكبر
وفقا لموقع الشركة الرسمي أنشأت أرامكو مصفاة في رأس تنورة أكبر من تلك التى بنتها شركة كاسوك عام 1943، ودخلت أرامكو حقبة الخمسينيات بتطوير بنياتها التحتية، وأنجزت خط الأنابيب عبر البلاد العربية (تابلاين) بطول 1200 كيلومتر، وهي الشبكة التي ربطت حقول النفط شرق السعودية، بلبنان والبحر الأبيض المتوسط.
توالت الاكتشافات النفطية في الخمسينيات ليتم اكتشاف حقل السفانية عام 1951 كأكبر حقل بالمنطقة المغمورة.
في العام نفسه تأكدت الشركة من خلال أعمال الاكتشافات المتوالية من ضخامة حقل السفانية وصنوة حقل الغوار الذي يُعد أكبر حقل للنفط في اليابسة.
وفي عام 1973 تملّكت السعودية حصة مشاركة بنسبة 25% في أرامكو، وفي عام 1975 قامت أرامكو السعودية بتصميم وتطوير وتشغيل شبكة الغاز الرئيسة، التي وُصفت بأنها أحد أكثر مشاريع الطاقة طموحاً على مرّ التاريخ ليجمع الغاز من حقول الشركة المنتجة لتلبية احتياجات السعودية من الوقود واللقيم.
امتلكت حكومة السعودية عام 1980 الشركة بالكامل، لتكون حقبة الثمانينيات حقبة ذهبية للشركة أُنجز بعدها خط الأنابيب "شرق-غرب" لنقل سوائل الغاز الطبيعي لربط المنطقة الشرقية بينبع على ساحل البحر الأحمر.
النعيمي أول رئيس سعودي للشركة
وفي عام 1984 تم تعيين علي النعيمي كأول رئيس سعودي للشركة، حتى صدر مرسوم ملكي عام 1988 بتأسيس شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية)، وفي العام التالي أعلنت الشركة أول اكتشاف لزيت وغاز عالي الجودة جنوب الرياض، خارج منطقة أعمالها الأصلية، وفقا لموقع "العربية".
وركزت الشركة وقت ذاك على تأسيس كل ما يمكن أن تستند إليه في مستقبلها وتوسعها للوصول للريادة عالمياً، فمن الناحية التجارية أنجزت الشركة في عام 1995 بناء 15 ناقلة ضخمة للزيت الخام، وفي عام 1998 بدأ الإنتاج من حقل الشيبة الواقع في صحراء الربع الخالي، الذي يُعد أضخم المشاريع من نوعه في أيّ مكان في العالم.
إنجازات الألفية الجديدة
مع بداية الألفية أزاحت أرامكو الستار عن هدفها الاستراتيجي الطموح لعام 2020، الذي يحدد توجهاتها لأن تصبح شركة متكاملة في قطاعي الطاقة والكيماويات، تركّز في ذلك على تعظيم الإيرادات وتسهيل التوسّع المستدام والمتنوّع في اقتصاد السعودية، وتمكين قطاع طاقة سعودي حيوي وقادر على المنافسة عالمياً.
في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2021 احتفلت الشركة ببلوغ معدل الإنتاج 500 ألف برميي من النفط يوميًا في حقل منيفة، وبحلول عام 2017 تحقق الهدف النهائي للمشروع بإنتاج 900 ألف برميل في اليوم، وفقاً لوكالة "واس السعودية".
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت "أرامكو" عن بدء أعمال المرحلة الأولى لتطوير حقل الغاز الضخم وغير التقليدي في الجافورة، أكبر حقل غاز غير مصاحب في السعودية.
رقم قياسي لطرح أرامكو
وفي حدثٍ جذب انتباه العالم، سجلت "أرامكو" في عام 2019 رقماً قياسياً في أكبر طرح عام أولي في تاريخ البورصات العالمية، عندما جمعت 29.4 مليار دولار من حصة 1.5% من أسهمها في سوق تداول السعودي، على الرغم من اعتمادها بالكامل تقريباً على المستثمرين المحليين، ووصلت القيمة السوقية للشركة يومها إلى 1.7 تريليون دولار.
ومنذ إدراجها في السوق المالية السـعودية (تـداول) في 11 ديسمبر/كانون الأول 2019 استمرت أرامكو في تحقيق الأرباح لمساهميها، وكان هذا الإدراج أول جزء من خطة طموحة تستهدف بيع 5% من الشركة مقابل نحو 100 مليار دولار وفق بيانات "تداول".
وسُمح في عام 2020 إكمال استحواذ أرامكو على 70% من شركة "سابك" بالتوسّع في مجال تحويل النفط إلى قيمة، وحقق دفعة قوية في مجال التكرير والبتروكيماويات المتكاملة.
طرح حصة جديدة من "أرامكو"
وفي عام 2024 تستعد الشركة لجمع 12 مليار دولار من خلال طرح ثانوي، بدأ اليوم لعدد 1.5 مليار سهم تعادل 0.64% من أسهم عملاق النفط لتخطف أنظار العالم مجددا.
وفقا لمصادر رويترز، فإن النطاق السعري للسهم يدور بين 26,70 و29 ريالاً، لكن الشركة قد تبيع خيار التخصيص الزائد نحو 1.7 مليار سهم أو ما يعادل 0.7%، ما قد يرفع قيمة الصفقة المرتقبة إلى 13 مليار دولار.
وحققت أرامكو العام الماضي صافي ربح سنوي قدره 121.3 مليار دولار، وهو ثاني أعلى أرباحها على الإطلاق بعد أن حققت 161.1 مليار دولار في عام 2022.
لاعب رئيسي في قطاع النفط عالميا
وتسعى أرامكو، أكبر شركة نفط في العالم، اليوم لتلبية الطلب المتزايد على المواد الكيماوية من خلال جهودها المتواصلة لتحويل نحو 4 ملايين برميل يومياً من السوائل إلى مواد كيماوية بحلول عام 2030.
وتستفيد أرامكو من الابتكارات التقنية لتوسيع حلول استخلاص الكربون وتخزينه وإنتاج الهيدروجين، وتضم إحدى أكبر مراكز استخلاص وتخزين ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم، وتهدف إلى استخلاص ما يصل إلى 11 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
وتعتزم الشركة أن تكون لاعباً مؤثراً في الأسواق الجديدة لحلول تخزين الكربون والهيدروجين، ولدعم هذا التوجه تستهدف إنتاج ما يصل إلى 11 مليون طن متري سنوياً من الأمونيا الزرقاء بحلول عام 2030 مع محاولة تقليل الانبعاثات وأملاً في الوصول لطموحها في تحقيق الحياد الصفري للغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي تقع ضمن النطاقين (1 و2) في مرافق أعمالها التي تملكها وتديرها بالكامل بحلول عام 2050.
aXA6IDMuMTUuMjExLjQxIA== جزيرة ام اند امز