أعداد الحشرات وتغير المناخ.. "دم بارد" على نار هادئة
لم تسلم الحشرات ذوات الدم البارد أيضًا من التغير المناخي، وصارت مهددة بالانقراض بحسب آخر الدراسات العلمية.
بغض النظر عن البلاد التي تتغذى على الحشرات في شرق آسيا، يرى أغلب الناس أنّ وجود الحشرات في مكان ما أمر غير مرغوب فيه. والحقيقة التي لا جدال فيها أنّ هذه الكائنات مهمة لحفظ التوازن في النظام البيئي، وقد يحصل خلل لا يمكن السيطرة عليه في غيابها. مع ذلك، لم تسلم الحشرات من آثار التغيرات المناخية؛ إذ أشارت العديد من الدراسات إلى أنّ أعداد الحشرات في تناقص بسبب التغيرات المناخية. وهنا يأتي دور الإنسان المُكلف بحمايتها.
لماذا علينا الاهتمام بالحشرات وحمايتها؟
تُقدم الحشرات للإنسان العديد من الخدمات البيئية التي تسهل عليه حياته، من ضمنها:
غذاء للكائنات
عند التدقيق في الشبكة الغذائية، نجد أنّ الحشرات تُمثل الغذاء الأساسي للكثير من الحيوانات والطيور؛ حتى إنّ الحشرات نفسها تتغذى على أنواع أخرى، ما يعني أنّ فقدانها، قد يسبب انهيارًا للشبكة الغذائية، والتي يُعد الإنسان جزءًا أساسيًا منها. على سبيل المثال، لدينا طائر السمامة، يتغذى على الحشرات، إذا انقرضت أو قلت أعداد هذه الحشرات؛ فهذا يعني أنّ الطائر سيفقد موارده الغذائية. وقد تتناقص أعداده من قلة الطعام، وتتأثر الكائنات التي تتغذى عليه في الشبكة الغذائية، إلى أن يصل هذا التأثير للإنسان.
تلقيح النباتات
تلقيح النباتات، يعني نقل حبوب اللقاح بين النباتات، ما يعزز عملية التكاثر، وتصبح الأرض أكثر خضرة، وتُسمى الكائنات التي تعمل دور الناقل بـ«الملقحات»، قد تكون حشرات أو طيور أو حيوانات، لكن أبرز الملقحات هي الحشرات، تحديدًا حشرة نحل العسل.
مُحللات طبيعية
تلعب الحشرات دور المحللات الطبيعية في بعض الأحيان؛ إذ تتغذى على الجثث الميتة والنفايات وأوراق الأشجار المتساقطة، ما يساعد في تحليلها وإعادة عناصرها الأولية للأرض؛ فتستفيد منها الكائنات الحية.
جزء من النظام البيئي
تُشير التقديرات إلى أنّ الأنواع المعروفة لدى العلماء من الحشرات تُقدر بنصف مليون نوع تقريبًا، ويتوقع العلماء أنّ هناك ما بين 4.5 إلى 7 مليون من الأنواع غير معروفة بعد. هذا التنوع الهائل في مجتمع الحشرات يؤكد أنها ضرورية لحفظ توازن النظام البيئي.
الخطر يحوم بالأرجاء
مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، تتأثر الحشرات كغيرها من الكائنات الحية الأخرى، ومن ضمن التأثيرات الواضحة للعلماء والباحثين المتخصصين في علم الحشرات، هو تناقص أعدادها وأنواعها. ويرجع ذلك إلى أنّ عملية التمثيل الغذائي والنمو لدى الحشرات يعتمد على الحرارة، والاحترار يسرع عملية النمو والاستقلاب.
لكن -كما هي العادة- الشيء عندما يزيد عن حده المعقول، يقلب الطاولة رأسًا على عقب؛ إذ يؤدي الاحترار الزائد عن الظروف المثالية للحشرات إلى إبطاء نموها وتطورها؛ فتقل أعدادها. ويظهر هذا بشكل واضح في أنواع الحشرات التي تعيش في المناطق الاستوائية، والمعرضة بشكل خاص لظروف الاحترار، ما يجعل انخفاض أعداد الحشرات في تلك المناطق تحديدًا مدفوعًا بالتغيرات المناخية. وذلك بحسب دراسة منشورة في دورية «ذا رويال سوسايتي» (The Royal Society) في 29 مارس / آذار 2023.
في محاولة للتكيف
يرى مؤلفو الدراسة أنّ استجابة الحشرات للاحترار تختلف؛ فهناك بعض الأنواع المُحبة للحرارة (Orthopterans)، وهي الحشرات التي تتكيف مع درجات الحرارة العالية، بل ويكون تأثير الحرارة عليها إيجابي، أبرزها: ذبابة مايو والذباب الحجري. وهناك أنواع أخرى من الحشرات متكيفة مع درجات الحرارة المنخفضة، ويتوقع الباحثون أنها سترحل إلى المناطق الباردة نحو القطبين أو عند المرتفعات كالجبال؛ حيث تنخفض درجات الحرارة، لكن هذا يجعلها مقيدة في أماكن معينة، ما يشكل خطرًا على بقائها وتنوعها البيولوجي، وتصبح مهددة بالانقراض.
لكن أعدادها تقل
أجرت مجموعة بحثية من جامعات مختلفة بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة بقيادة «كيت دافي»، وحللوا خلالها بيانات لـ 38 نوعًا من الحشرات، ومدى تأثرها بدرجات الحرارة المرتفعة، وخلصوا إلى هذه النتائج:
- زادت خطورة الانقراض لـ 18 نوعًا.
- كان خطر الانقراض لـ 6 أنواع كبيرًا إلى حد ما.
- انخفض خطر الانقراض لنوع واحد.
- لم يتأثر 13 نوعًا.
وفسر العلماء ذلك بأنّ الحشرات من ذوات الدم البارد، وهذا يعني أنها تفتقر إلى القدرة على تنظيم حرارتها الداخلية، ما يزيد فرصة تأثرها بالتغيرات في درجات الحرارة. ونُشرت الدراسة في دورية «نيتشر كلايمت تشانج» (Nature Climate Change) في يوم 5 أبريل /نيسان للعام 2023.
من ذلك، يتضح أنّ التغيرات المناخية، وما يتبعها من احترار عالمي، تؤثر بشكل ما على التنوع البيولوجي للحشرات، والتي تُعد واحدة من أهم الكائنات الحية؛ لحفظ التوازن البيئي.
aXA6IDE4LjIyNi4yNDguODgg جزيرة ام اند امز