منْ يتابع التصريحات التي تصدر عن أردوغان ووزيري دفاعه وخارجيته حول إدلب سيظن أن هذه المدينة الواقعة شمال غربي سوريا هي ولاية تركية
لم يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تهديداته المستمرة للجيش السوري منذ تقدّم الأخير سريعاً في أرياف محافظتي حلب وإدلب بدعمٍ جوي روسي، ورغم سقوط عشرات القتلى من الجيش التركي في الأراضي السورية فإنه تراجع كعادته عن المهلة التي منحها للجيش السوري كي ينسحب خلالها من المناطق والبلدات التي استولى عليها مؤخراً في أرياف حلب وإدلب.
ومرة أخرى أمهل أردوغان القوات الحكومية السورية بشكلٍ مبطّن مهلة جديدة تستمر حتى الخامس من مارس/آذار المقبل، حيث القمة الرباعية لبحث الأوضاع الميدانية في إدلب، بمشاركة روسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا بالطبع.
ما لا يراه هؤلاء الناس هو أن الجيش التركي لم يحرك ساكناً في إدلب إلا بعد مقتل عدد من عناصره، الأمر الذي حول المعارضة المسلّحة إلى مرتزقة تدافع فقط عن الجيش التركي ثأراً لمقتل عناصره، وهو تأكيد جديد على تبعية هؤلاء المعارضين لتركيا
لكن منْ يتابع التصريحات التي تصدر عن أردوغان ووزيري دفاعه وخارجيته حول إدلب سيظن أن هذه المدينة الواقعة شمال غربي سوريا هي ولاية تركية احتلها الجيش السوري، لا مدينة سورية تحاول قوات الحكومة السيطرة عليها بعدما حوّلها الرئيس التركي والجماعات الإرهابية الّذين يحظون بدعمه إلى بؤرة للإرهاب منذ سنوات.
وبموازاة ذلك، تؤيد شريحة كبيرة من المحللين السياسيين والصحفيين المحسّوبين على المعارضة السورية المسلّحة والسياسية والمؤيدين لجماعات "الإخوان المسلمين" الإرهابية، ما يصدر عن أردوغان ومسؤوليه من تهديدات للقوات السورية الحكومية، لدرجة تظن أنهم أتراك من أحفاد أرطغرل، لكنهم في واقع الأمر سوريون أعمى حنينهم للعثمانيين بصيرتهم وباتوا لا يرون في سوريا -سوى أردوغان المنقذ، والّذي سيخلصهم من الروس والإيرانيين- الحلفاء التقليديين والداعمين الأساس للحكومة السورية، والّذين دخلوا خط الأزمة السورية بموافقتها لا كغزاة على طريقة الرئيس التركي.
ويُضاف لهؤلاء شريحة من عامة الناس تتظاهر كلّ أسبوع تأييداً للهجوم التركي المرتقب على الجيش السوري، ومثلهم يفعل مقاتلو المعارضة والجماعات الإرهابية المدعومون من أردوغان، لكن ما لا يراه هؤلاء الناس هو أن الجيش التركي لم يحرك ساكناً في إدلب إلا بعد مقتل عدد من عناصره، الأمر الّذي حول المعارضة المسلّحة إلى مرتزقة مرة أخرى تدافع فقط عن الجيش التركي ثأراً لمقتل عناصره، وهو تأكيد جديد على تبعية هؤلاء المعارضين لتركيا لا لسوريا، وقد خاضوا إلى جانب الجيش التركي كلّ حروبه ضد الأكراد في سوريا، وبعضهم ذهب أبعد من ذلك، حيث اعترف أردوغان قبل أيام بوجود مرتزقة سوريين في ليبيا يقاتلون إلى جانب مليشيات السرّاج الإرهابية.
لذلك على كلّ هؤلاء أن يعرفوا جيداً أن القوات التركية في إدلب لم تتحرك سوى من أجل الانتقام لمقتل عناصرها بقصف القوات الحكومية السورية وكذلك بقصف طيرانٍ روسي، وعليهم أيضاً أن يدركوا أن أنقرة لم تتدخل لإنقاذ المدنيين أو لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بل لاستخدام المعارضة لمصالحها، سواءً في سوريا للمشاركة في حروبها ضد الأكراد أو في ليبيا ضد الجيش الليبي الّذي يقوده المشير خليفة حفتر.
وبالتالي، المعارضة السورية المسلّحة باتت رهن مخططات أردوغان في سوريا وليبيا، ولم يعد بإمكانها أبداً أن تطالب بإسقاط نظام الأسد، فقد حوّلت هذه المعارضة الاحتجاجات الشعبية الّتي انطلقت لوجود مطالب محقّة إلى صراع دموي بعد حصولها على دعم جماعة الإخوان المسلمين.
ومن ثم حوّلت هذه المعارضة ذاك الصراع الدموي الّذي كان يدور حول السلطة إلى صراع عرقي وطائفي يستهدف الأكراد وأقليات دينية في سوريا، قبل أن تحوّل أخيراً ذلك الصراع إلى صراع تركي-سوري، الأمر الّذي لم يترك متضامناً واحداً في صفوفها بعدما خسرت هذه المعارضة كلّ أوراقها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة