لقد أخرج أردوغان قضية اللاجئين السوريين من إطارها الإنساني والأخلاقي وحولها إلى قضية ابتزاز سياسي وورقة في وجه الجميع
"أنتم المهاجرون ونحن الأنصار".. بهذه العبارة الدينية استقبل أردوغان اللاجئين السوريين، وفتح أبواب بلاده لهم، مضت سنوات ليكتشف العالم حقيقة أهداف أردوغان، وكيفية استخدامه الجوانب الدينية والإنسانية والسياسية والأخلاقية في هذه القضية، التي هي أولا وأخيرا قضية المسؤولية الأخلاقية والإنسانية عن الحرب الجارية في سوريا، التي حصدت أرواح مئات آلاف من البشر وملايين من النازحين واللاجئين إلى أرجاء العالم، فضلا عن الداخل السوري.
كيف حول أردوغان قضية هؤلاء اللاجئين إلى مجرد ورقة؟ وما الجوانب التي استخدم فيها هذه القضية؟ وما أهدافه من وراء ذلك؟ هذه الأسئلة وغيرها، تطرح بقوة مع عودة أردوغان إلى إشهار هذه الورقة في وجه أوروبا بعد أن تعرضت قواته إلى خسائر كبيرة في إدلب السورية.
أضحت متاجرة أردوغان بقضية اللاجئين السوريين قضية مكشوفة من كل النواحي، وهؤلاء اللاجئون هم الضحية الأكبر لممارسات أردوغان، وهو ما يتطلب وقفة جدية تجاه هذه الممارسات للتخفيف من معاناة اللاجئين إن لم نقل وضع حد لها
لعل أبرز الجوانب التي استخدمها أردوغان في هذه القضية تجسدت في النواحي التالية: أولا: ابتزار أوروبا إنسانيا للحصول على مزيد من الأموال، وقد كان له ذلك، بتوقيع اتفاق مع الاتحاد الأوروبي عام 2016، وقد اتفق الأخير بموجبه على دفع 6 مليارات دولار له.
ثانيا: محاولة دفع أوروبا إلى الموافقة على أجنداته في إقامة منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، وقد كان له ذلك في إقامة مثل هذه المنطقة بين رأس العين - تل أبيض، وهو يريد تكرار الأمر في إدلب على وقع تقدم الجيش السوري بدعم روسي.
ثالثا: إشغال وتشتيت تركيز الأوروبيين عن القمع الذي يمارسه أردوغان من قتل واعتقال واستبداد المعارضين وحرب ضد الكرد، ولعل هذا ما يفسر الصمت الأوروبي إزاء آلة القمع الأردوغانية في الداخل ودعمه للجماعات الإرهابية وحربه المستمرة ضد الكرد.
رابعا: استخدام اللاجئين في قضية التغيير الديموغرافي في شمال سوريا وشرقها، ولعل نموذج عفرين ورأس العين خير دليل على ذلك، وهي جريمة تستهدف الكرد السوريين بشكل مباشر، فعفرين التي كان الكرد يشكلون قرابة 95 بالمئة من سكانها تقول التقارير إنهم لم يعد يشكلون سوى قرابة 40 بالمئة بسبب عمليات التغيير الديموغرافي الجارية في منطقة عفرين.
خامسا: استخدام اللاجئين كمرتزقة في حروبه، ولعل المثال الليبي خير دليل على ذلك، إذ جند أردوغان آلاف من هؤلاء اللاجئين في أذرعه الأمنية لا سيما شركة "صادات" التي تحولت إلى أهم أذرع أردوغان الأمنية والعسكرية في أفريقيا للقيام بعمليات قتل واغتيال هنا أو هناك.
سادسا: استخدام اللاجئين في الداخل التركي كورقة انتخابية وسياسية، إذ إن تجنيد عشرات آلاف اللاجئين كان بهدف انتخابي، فضلا عن استخدامهم سياسيا ضد المعارضة التركية في الداخل.
لقد أخرج أردوغان قضية اللاجئين السوريين من إطارها الإنساني والأخلاقي وحولها إلى قضية إبتزاز سياسي وورقة في وجه الجميع، وفي الوقت نفسه تسبب بمعاناة كبيرة للاجئين أنفسهم، إذ إن منظر هؤلاء على الشواطئ اليونانية، ورفض السلطات اليونانية إدخالهم إلى البلاد، سببا لهم بمعاناة هائلة، وجعلا منهم عرضة لمخاطر كثيرة.
وفي الوقت نفسه كذب زيف شعارات أردوغان وادعاؤه التعامل الإنساني مع هؤلاء اللاجئين، فلو كانت هذه الشعارات حقيقية وصحيحة لما غادر هؤلاء تركيا وغامروا بحياتهم وأطفالهم تطلعا للوصول إلى أوروبا، ولعل أردوغان بممارساته الاستفزازية هذه، شكل خطرا حتى على اللاجئين الأتراك في أوروبا، إذ على وقع ممارسات أردوغان وابتزازه لأوروبا في قضية اللاجئين، تتعالى الأصوات الداعية في الأوساط الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات مماثلة ضد اللاجئين الأتراك وطردهم من البلدان الأوروبية ردا على أردوغان، كما تتعالى الأصوات الأوروبية لفرض عقوبات على تركيا، وقطع المساعدات المالية عنها بسبب سياسة أردوغان.
لقد أضحت متاجرة أردوغان بقضية اللاجئين السوريين قضية مكشوفة من كل النواحي، وهؤلاء اللاجئون هم الضحية الكبرى لممارسات أردوغان، وهو ما يتطلب وقفة جدية تجاه هذه الممارسات للتخفيف من معاناة اللاجئين، إن لم نقل وضع حد لها، إلى أن يحين موعد عودة هؤلاء إلى بلادهم عبر حل سياسي يعيد الاستقرار والسلام لسوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة