موضوع الجيوش وكتّاب الخيال العلمي ومستقبل المواجهة سيكون على طاولة قادة العالم.
هل كان يحلم كتّاب الخيال العلمي يوماً أن يجدوا وظيفة عند الجيش الفرنسي؟ هذا ما يحصل في الوقت الحالي، فقد طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتشكيل "فريق أحمر" يتكون من كتّاب الخيال العلمي لتزويد الجيش بالسيناريوهات المستقبلية؛ لأن الخيال العلمي في نظره أكثر خصباً وابتكاراً وحيويةً من الخطط الواقعية التي تواجه بها الجيوش الأعداء.
موضوع الجيوش وكتّاب الخيال العلمي ومستقبل المواجهة سيكون على طاولة قادة العالم بعد قرون وعقود من انتشار الروايات التي عالجت مختلف أساليب الحروب والمواجهات بطريقة أدبية وهمية على الورق، لأن القوة وحدها لا تكفي في الحروب، فهناك الدهاء والخيال والخديعة التي يستعين بها العقل البشري
وهذا ما يجعلنا نطرح السؤال التالي: هل يتمكن كتّاب الخيال العلمي من إبداع الابتكارات الدفاعية أكثر من الخبراء الاستراتيجيين العسكريين؟
قد لا يخطر على بال أحد أن يتمكّن كتّاب الخيال العلمي من مواجهة ما تبتدعه مخيلة المنظمات الإرهابية أو البلدان المعتدية بأساليب وطرق غير عادية واستثنائية أكثر فاعلية.
على أية حال، إن فكرة الرئيس ماكرون ليست جديدة، فلطالما كان التاريخ يعّج بالعلماء والكتّاب والأدباء الذي ساندوا الجيوش في ابتكار المواجهة ضد العدو منذ القدم وحتى العصر الحاضر، أو لنقل إن الجيوش استفادت من خيالهم وابتكاراتهم في مواجهة العدو. فعلى سبيل المقال، دافع العالم "أرشميدس"، الذي هبّ بعقليته العلمية الفذة عن جزيرته الأم "سيراكوزة"، حيث فاجأ الجيوش الرومانية بسلاح قادم من عالم الخيال لم يخطر على بالهم في حينها من خلال صنع مرايا ضخمة تركز أشعة الشمس على سفن العدو، وتحرقها.
وبعد ذلك، عادت الأسلحة المشابهة إلى رف الأدب، كما في رواية "المجسّم الزائدي والمهندس جاران" 1927 الذي بعد صدورها بعدة عقود، اعترف الفيزيائي الحاصل على نوبل، "تشارلز تاونز"، أنه استلهم منها ابتكاراته في مجال الليزر. وتوغلت هذه الرواية في مفهوم الليزر أكبر من سابقتها الأشهر عام 1889 "حرب العوالم" التي مارس فيها الكاتب "هربرت جورج ويلز" نوعًا من النقد الذاتي ضد النزعة الاستعمارية لبلاده، وكان قد تنبأ بالقنبلة الذرية في روايته "العالم يتحرر" التي ألفها عام 1914، وصور فيها قنابل تتفجر بشكل غير محدود بناء على ما كان متوفراً من علوم الذرة في ذلك الوقت المبكر. نقرأ في أحداث الرواية، كيف دك الغزاة المدن الأرضية بمدافع إشعاعية في وقت لم يكن قد تم اختراع الدبابة. وتنفي قوانين "ماكسويل" إمكانية وجود سلاح شبيه وإطلاقه في حزمة مكثفة، كما في الرواية.
وتحققت نبوءة "ويلز" أخيراً في صورة حزمة من شعاع متألق يخرج من ياقوت مُطعّم بالكروم، وهي العناصر التي استخدمها العالم "ميمان" قبل أن يتم اختراع "ليزر نيون" بعدها بشهور قليلة. ولنستعيد اختراع الطائرة وتنبؤ "ويلز" بها كسلاح محتمل. يتكرر السيناريو نفسه مع فيلم "ماس كهربائي" الذي عرض عام 1986 أي في تاريخ عقب اختراع أول رجل آلي، فافترضت أسرة الفيلم إمكانية إنتاج رجل آلي مفيد في الأغراض العسكرية، وهو ما صار أمراً واقعاً حالياً سواء في الطائرات المبرمجة دون طيار، أو الآليات الكاشفة عن الألغام وغيرهما.
وفي مثال آخر، كان الجندي يعاني من وزن الذخيرة والمؤون، وفي فيلم "ألين" الهوليودي ظهر حل مبتكر تلقفته وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة في وزارة الدفاع الأمريكية، وسارعت إلى صنع واقٍ إلكتروني من الألومنيوم الخفيف، يتفاعل مع حركة الجندي عن طريق أجهزة استشعار، فإذا حمل شيئا، يعاونه ميكانيكياً كعنصر داعم في عملية الرفع، مما يوفر الكثير من لياقة الجندي.
قد لا ننتظر قبل أن تتحقق رؤية الخيال العلمي كلياً، فنرى حروباً تستنبط فيها جيوش "آليين" بالكامل.
وكما يقول "أينشتاين": "الخيال أكثر أهمية من المعرفة، لأن المعرفة محدودة، أمّا الخيال فيحيط بالعلام كله"، ربما يكون الرئيس الفرنسي ماكرون قد قرأ كل من "جول فيرن، وهربرت جورج ويلز، وهوجو جرنسبالك" وغيرهم، لما حوته أعمالهم الأدبية الخيالية من وصف مبكر لـ"اليزر، الرادار، القنبلة الذرية، غزو الفضاء"، وغيرها من النبوءات التي سبقوا بها المخترعين أنفسهم، لدرجة أنها اعتبرت في زمنها مجرد خيالات!
من ينسى فيلم "أوديسا الفضاء" عندما سبق المخرج ستانلي كوبريك عصره، بتقديم مشاهد للأبطال وهم يستخدمون حواسيب صغيرة تعمل باللمس؟
والأمثلة كثيرة، حيث استفادت الجيوش من روايات "الحرب والسلام" و"أنا كارنينا" للأديب الروسي "تولستوي"، الذي طرح في هاتين الروايتين الخيال العلمي في الحروب.
وهنا يطرح السؤآل نفسه بإلحاح: هل الأدب مُحّرك للعلم؟
من المؤكد ذلك، فقد طرح أدب الخيال العلمي مبكراً: السفر عبر الزمن، الفضاء الافتراضي، الانتقال الآني، الذكاء الصناعي، الإدراك الفائق للحس وغيرها من الرؤية المستقبلية.
موضوع الجيوش وكتّاب الخيال العلمي ومستقبل المواجهة سيكون على طاولة قادة العالم بعد قرون وعقود من انتشار الروايات التي عالجت مختلف أساليب الحروب والمواجهات بطريقة أدبية وهمية على الورق، لأن القوة وحدها لا تكفي في الحروب، فهناك الدهاء والخيال والخديعة التي يستعين بها العقل البشري أكثر من الآلات الصمّاء التي قد لا تكفل الانتصار في كل الظروف.
هل سبق الرئيس الفرنسي ماكرون قادة العالم في الإشارة إلى أهمية أدب الخيال العلمي مبكراً في تغذية الجيوش بالأفكار والسيناريوهات والتنبؤات والحلول؟ وفي نهاية المطاف. نتساءل: هل يُعطّل كتّاب الخيال العلمي عمل الخبراء الاستراتيجيين العسكريين أو لنقل هل يتفوق عليهم في مواجهة الإرهاب والحروب؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة