انفصاليو مالي يتصدون لهجوم الجيش.. هل تقف قوة خارجية خلفهم؟
مع انحسار النفوذ الفرنسي في مستعمراته السابقة بأفريقيا، اتكأت الأنظمة التي رفعت «راية التحرر»، على جيوشها وشعبيتها، لتحقيق اختراقات في محاربة الإرهاب، وتقويض انتشاره على أراضيها.
أحد هذه البلدان كانت مالي تلك الدولة التي كانت أول من حمل شعلة طرد القوات الفرنسية من غرب أفريقيا، إلا أن جهودها لمحاربة «الحركات الانفصالية الإزوادية» تعثرت في الآونة الأخيرة، مما أثار تساؤلات حول السبب، وما إذا كانت هناك يد خفية، أمدت تلك العناصر بالعتاد اللازم لمجابهة الجيش في بامكو، المدعوم من قوات فاغنر الروسية.
وكان متمردو الطوارق في شمال مالي قالوا، إنهم قتلوا وأصابوا العشرات من الجنود والمقاتلين التابعين لمجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة خلال قتال استمر يومين بالقرب من الحدود الجزائرية، بعد أن قال الجيش المالي إنه فقد جنديين وإن قواته قتلت نحو 20 متمردا.
فما سر ودلالات تلك التطورات؟
اعتبر محمد أغ إسماعيل الباحث المالي في العلوم السياسية، أن المواجهات بين الجيش المالي والإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي «كان متوقعا، وخاصة بعد قدوم وحدات عسكرية من الجيش وقوات فاغنر إلى آخر معاقل الإطار الاستراتيجي الدائم بالقرى والبلديات الحدودية مع الجزائر».
وأوضح المحلل السياسي، أن «تحقيق هذه الانتصارات في الوقت الراهن جاء نتيجة لأشهر من استعداد الإطار الاستراتيجي لخوض الحرب، إضافة إلى تقليل الجيش وحلفائه من قدرات هؤلاء المقاتلين».
ومن بين الأسباب -كذلك- عامل الجغرافيا، فالأحوال الجوية منحت الأزواديين فرصة للتفوق على الجيش والمرتزقة الروس، يقول المحلل السياسي، الذي أضاف «عامل الإرادة والعزيمة لدى مقاتلي الإطار الاستراتيجي، والذي يدفعهم إلى عدم القبول بسهولة الخروج من قراهم، خصوصا وأنه لن يقبلهم أحد كلاجئين».
الأمر نفسه أشار إليه، درامي عبد الله الكاتب الصحفي المالي، والذي قال إن سوء الأحوال الجوية في منطقة تينزاواتن المعروفة بوعورة الطريق، لعب دورًا سلبيا ضد الجيش، مضيفا أن توافق الأحجار مع الرمال ساعد على عرقلته.
في السياق نفسه، اعتبر الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، أن تلك التطورات تعود إلى أن الانفصاليين أعادوا ترتيب صفوفهم، مما انعكس على «حالة التفوق تلك».
وأشار إلى أن الجغرافيا كانت عاملا مساعدًا لهم، «فهم أصحاب الأرض ولديهم القدرة على معرفة تلك المناطق جيدا وآليات التحرك فيها»، مؤكدًا أن المعركة الحالية هي «تكتيكية أكثر مما هي مرتبطة بقوة التسليح وقوة العتاد».
ماذا بعد؟
توقع محمد أغ إسماعيل الباحث المالي في العلوم السياسية، مواجهات أكثر عنفا الفترة القادمة، لسبين أولهما أن مقاتلي الإطار الاستراتيجي لم يعد أمامهم إلا القتال، فيما الجيش على الجانب الآخر مضطر -كذلك- لخوض هذه الحرب أكثر من أي وقت مضى لأن شرعية النظام مبنية على نتائجها.
أما مقاتلو «فاغنر» فسيسعون إلى إعادة سمعتهم، عبر عمليات عسكرية واسعة في الأسابيع والشهور القادمة، يضيف محمد أغ إسماعيل الباحث المالي في العلوم السياسية.
بدوره، قال الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر إن الجيش المالي ومجموعة فاغنر يريدان تحقيق ما وعدا به القيادة العسكرية الحالية، بفرض السيطرة على كامل البلاد.
وأوضح بوقاعدة لـ«العين الإخبارية»، أن الجيش وفاغنر يحاولان «استغلال الظرف الدولي سواء في أوكرانيا أو غزة، وحالة التخبط التي عليها فرنسا والانتخابات الأمريكية، لفرض السيطرة على تلك المناطق».
وتوقع الخبير الجزائري مزيدا من الاحتقان والتصعيد من الجانبين، فـ«المواجهات ستعود بين الطرفين، مما قد يؤدي إلى تشريد سكان المناطق التي ستشهد مواجهات ونزوحهم إلى دول الجوار، وخاصة الجزائر التي بها الآلاف من الماليين الذين دخلوا فعليا إلى الجهة المقابلة لمنطقة الأزواد».
وأشار إلى أن تلك التطورات المتوقعة، «ستؤدي إلى توتر الأوضاع حتى بالنسبة للجماعات الأزوادية في النيجر وعدد من المناطق، مما قد يدفع بعض الدول إلى التدخل».
حرب بالوكالة
وبحسب الخبير الجزائري، فإن حرب الوكالة قد تعود، وخاصة وأن مالي مرتكز أساسي يحاول كل طرف دولي أن يكون لديه يد طولى فيه، حتى يفرض سيطرته على دول أخرى.
واعتبر أن مالي «ترمومتر النجاح أو الفشل لكل دولة في الصراع حول أفريقيا».
لكن.. هل هناك أياد خفية وراء تلك التطورات؟
لم يستبعد درامي عبد الله الكاتب الصحفي المالي ذلك، قائلا إن فرنسا وعدت بالأمس، واليوم وفت بوعودها المتمثلة في شن حرب إعلامية ضد دول الساحل، وخاصة مالي تلك الدولة التي كانت صاحبة الصيحة الأولى في المؤامرة العالمية -على حد تعبيره-.
واعتبر أن الخسارة الأولية للجانب المالي كانت فرصة ابتهاج وانتعاش للإعلام الفرنسي، إضافة إلى الإعلام الغربي الذي «تعامى» عن الحشرجات التي أطلقها قتلى هذه الجماعة المجرمة.
وأشار إلى أن إرسال دول كانت تراها باماكو صديقة، سيارات إسعاف لمعالجة جرحى تلك «العناصر المجرمة»، كشف النقاب عن «دعم قوى الشر لتلك العناصر».
ورغم أن تلك التطورات أسفرت عن وقوع قتلى وجرحى من الجيش، إلا أنها «خلفت مكسبين للدولة وللجيش، الأول ارتفاع حجم الشعبية والتعاطف الجماهيري مع الحكومة الانتقالية، فيما الثاني: معرفة التوقيت المستقبلي والكيفية المناسبة لاسكات آخر صوت للإجرام في شمال مالي».
إلا أن الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر، قال إن ما حدث ليس لأي قوى خارجية أي دور فيه، «نظرا لعدم وجود اتصال بين الانفصاليين وهذه الدول، لأن حالة العداء السابقة ما زالت قائمة، فيما لا توجد أي مؤشرات، سواء في خطاب الجماعات الأزوادية أو في الخطاب الفرنسي عن التحول في علاقتهم، بالإضافة إلى انشغال القوى الكبرى في قضايا أخرى».
يأتي ذلك إضافة إلى أن «نمط وطريقة العمليات لا توشي بأن هناك أطرافا داعمة للجماعات الانفصالية».
كيف تؤثر تلك التطورات على استقرار المنطقة؟
توقع محمد أغ إسماعيل الباحث المالي في العلوم السياسية، ألا تنعم منطقة الساحل باستقرار في المدى القريب، ما دامت الأسباب الداخلية والخارجية للمعضلات الأمنية لم تصل إلى مرحلة التسوية.
aXA6IDMuMTQ5LjI1MC4xOSA= جزيرة ام اند امز