قوة دولية لحماية مدنيي السودان.. آمال تصطدم بتحديات الحرب
تتواصل الضغوط الدولية لإنهاء أزمة السودان، أو حماية المدنيين من تبعات الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" المستمرة منذ 17 شهرا.
وأوصت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان، مؤخرا بنشر قوة مستقلة ومحايدة لحماية المدنيين.
وأكد محمد شاندي عثمان، رئيس البعثة، الحاجة لاتخاذ إجراءات ملحّة وطارئة لحماية المدنيّين.. وقال إنه: "من الضروري نشر قوة مستقلة ومحايدة مُكلّفة بحماية المدنيّين في السودان على الفور".
لكن وزارة الخارجية السودانية، أعلنت في بيان، اطلعت عليه "العين الإخبارية"، رفض توصيات بعثة تقصي الحقائق أو التعاون معها.
أما مستشار قائد قوات "الدعم السريع"، الباشا طبيق، فأبدى قبولا بوجود البعثة، وقال إن توصية البعثة بنشر قوة محايدة لحماية المدنيين في السودان «تأتي استجابة طبيعية لرفض الجيش الدخول في مفاوضات، وتصعيده المستمر واستهدافه المدنيين».
إجراءات استثنائية
وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، اعتمد مجلس حقوق الإنسان بجنيف قرارا بإنشاء بعثة دولية مستقلة لتقصي الحقائق حول الانتهاكات والجرائم التي رافقت الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في السودان.
وأصدرت البعثة الدولية، أول من أمس الجمعة، تقريرها الأول المؤلف من 19 صفحة بعد تحقيقات ومقابلات أجراها الفريق في الفترة ما بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب الماضيين، بعد زيارات لدول تشاد وكينيا وأوغندا.
وشمل التقرير شهادات مباشرة مع نحو 182 من الناجين وأفراد أسرهم وشهود عيان، ومشاورات مستفيضة مع الخبراء وأعضاء المجتمع المدني السودانيين.
بدائل تعثر المفاوضات
وقال مستشار رئيس الوزراء السابق، فائز الشيخ، إن تقرير البعثة سيُرفع إلى اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف الأسبوع المقبل، وهو ما يعني دعوة للأمم المتحدة من أجل وضع خُطط وسياسات بديلة لوقف نزيف الدم في السودان، عبر تدخل مباشر بنشر قوات لحماية المدنيين وضمان وصول مواد الإغاثة.
وأضاف الشيخ، لـ"العين الإخبارية" أن "هذا الأمر يعكس يأس المجتمع الدولي من تصرفات الطرفين المتحاربين واتجاهه استخدام العصا بدلا عن المفاوضات"، مشيرا إلى أن طرح تلك التوصيات على مجلس الأمن الدولي لن يكون مهمة سهلة، وربما يستند «تحالف حماية السلام في السودان»، المكون في جنيف، إلى هذا التقرير لاتخاذ خطوات لاحقة عن طريق مجلس السلم والأمن الأفريقي.
من جهته، قال رئيس تحرير جريدة "التيار"، عثمان ميرغني، إن نشر قوات لحماية المدنيين يعني عمليا وضع السودان تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح استخدام القوة.
وأوضح ميرغني، لـ"العين الإخبارية"، أنه من الصعب أن يُجاز تشكيل تلك القوة في مجلس الأمن، وتنفيذ التوصية على الأرض، موضحا أن "الفصل السابع سيئ السُمعة جُرب في العديد من الدول وكانت دائما نتائجه سلبية، ولم يحدث أن جُرب في دولة وأتى بنتائج إيجابية، بل إن بعض الدول عانت معاناة شديد بسبب الفصل السابع".
وأضاف: "نحن في حاجة إلى النظر في واقع الأزمة السودانية بصورة مختلفة، فإذا ظللت الدولة السودانية ترفض كل المبادرات والفرص المقدمة للحلول السلمية في النهاية ستواجه بمثل هذه الإجراءات الاستثنائية".
وأوضح أنه "كان من الأوفق أن يكون هناك ارتباط بمفاوضات جنيف، وهذا لا يعني الموافقة على كل شيء، وإنما تدخل تلك المفاوضات بأجندتك ومطالب الشعب السوداني، وهي لا تؤثر على المسار العسكري على الأرض".
وأكد أن تقرير لجنة تقصي الحقائق "بداية خطيرة جدا ويقود إلى تدخل عسكري على نطاق واسع في السودان، وربما تقسيم السودان وهو سيناريو خطير جدا".
انتهاكات بحق المدنيين
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي، أمير بابكر، إن دعوة الخبراء جاءت بعد سلسلة من التحقيقات والتواصل مع الضحايا، ووقفت على حجم الانتهاكات التي طالت المدنيين منذ اندلاع الحرب.
وأضاف بابكر، لـ"العين الإخبارية": "الحقيقة الماثلة للعيان أن الانتهاكات جرت للمدنيين في مناطق سيطرة الطرفين".
وأشار إلى أن "التوصية التي قدمتها اللجنة، تعكس حجم ما وقفوا عليه من انتهاكات، ولكن تنفيذها مرتبط بقدرة اتخاذ القرار بشأنها من قبل مجلس الأمن الدولي، باعتباره الجهة المعنية بهذا الأمر".
وأوضح أن تنفيذ تلك الخطوة يأخذ وقتا، على الأرجح، في حال اتخاذ قرار بالتدخل أو نشر قوات، لذلك مجرد الدعوة لن توقف الانتهاكات، ولكن ربما تعطي مؤشرات للأطراف المتقاتلة والتي تنتهك حقوق المدنيين، بأن المسألة أصبحت ذات طابع أكثر جدية من المجتمع الدولي، وأن عليها التفكير الجاد في مسألة إنهاء الحرب.
ومنذ منتصف أبريل/نيسان 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" حربا خلّفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 10 ملايين نازح ولاجئ، وفقا للأمم المتحدة.