لوحات علي عاشور تكشف وجه "الإسكندرية المتحررة"
الفنان علي عاشور يكتب على لوحاته ما يرغب في تدوينه من عبارات وخواطر وأشعار، فاللوحة بالنسبة له هي أيضا فضاء يتحمل استجابات مختلفة
يرسم الفنان علي عاشور، مدينته الإسكندرية، على طريقته، ويحررها من التصور الاستشراقي الذي حكم طريقة الفنانين الآخرين في النظر إليها.
والمدينة التي تجلت في لوحاته- والمعروضة في معرضه المقام حاليا بجاليري "مونشن آرت" بحي الزمالك وسط العاصمة المصرية القاهرة- ليست مدينة المصور الرائد محمود سعيد، ولا مدينة الأخوين سيف وآدهم وانلي التي تصور الشواطئ تحت رحمة العاصفة، بل هي مدينة منشغلة ببهجة الألوان وفضاء الأساطير الساطع، ومعه تولد المدينة التي لا تستسلم لتصور وحيد.
يرسم عاشور استجابة لهاجس وجودي يطغى على لوحاته بطابعها الفريد، ويبدو فيها مهووسا بالمزج والتركيب الغرائبي من داخل اللوحة وليس من خارجها، ويستند عمله على خبرة جمالية عميقة وحرفة في ترويض اللوحة وصهر الألوان لتبدو الإسكندرية أقرب الى "ذاكرة جسد" محملة بجروح وروائح كثيرة.
وعلي عاشور هو فنان سكندري ولد عام 1946، ويشارك في الحركة التشكيلية منذ عام 1971، ويعد من أبرز فناني التصوير الزيتي في مصر رغم قلة أعماله.
أنتج المركز القومي للسينما عنه فيلما تسجيليا باسم “صبار المدينة” عام 2004، وتم تكريمه بمؤتمر الفنانين التشكيليين بمصر عام 2008، وهو عضو بنقابة الفنانيين التشكيليين وعضو بأتيليه الإسكندرية.
ينتصر علي عاشور فيما يرسمه لمدينته ويمجد طابعها الأنثوي الذي يحول المدينة كلها إلى جدارية ويظهر النساء كـ"أيقونات" قادمات من أطياف وأحلام، ربما لأن ما يشغله يتعلق بتصور المدينة في مختلف حالاتها، لأن باستطاعة الفنان دائما أن يستبصر ويتأمل أحوالها، لا فارق عنده بين النساء الشعبيات ولا الأنيقات اللواتي يحملن باقات من الزهور.
ويبدو سؤال الذاكرة في المعرض هو أكثر ما يشغل الرسام الذي يعطي لوحته سمة من سمات "الكولاج"، لكنه لا يعتمد على مزج الخامات أوتركيبها بقدر ما يستعير من الذاكرة القطع والعلامات اللونية التي تظهر التاريخ الذي يحمله على ظهره، وتتقاطع فيه ذاكرة الأماكن التي يرتادها مثل "قهوة البوابين" ومقهى الكريستال، وأتيليه الإسكندرية مع صور الشاعر السكندري اليوناني قنسطنطين كفافيس وإعلان مشروب "كوكا كولا".
يكتب عاشور على لوحاته ما يرغب في تدوينه من عبارات وخواطر وأشعار، فاللوحة بالنسبة له هي أيضا فضاء يتحمل استجابات مختلفة.
وتشير الناقدة أمل نصر في كتالوج المعرض إلى أعمال عاشور قائلة: "لوحات يجب أن تراها بقلبك وتنصت لهمهمات أصحابها لتستشعر الحنين الشجي العالق بتلابيب القلب الذي يورثه لنا الزمن عندما تباعد الأيام بيننا وبين الأمكنة والأشخاص والأشياء التي نحبها".
وتضيف: "هبة الفن تأتي عندما نستطيع أن نستضيف كل ما نحب في اللوحة ونستطيع أن نناديهم ونسامرهم ونستحثهم أن يبقوا معنا ولو لبعض الوقت، لأن هناك شىء ما دفين في أعماله يتسق مع طبيعته الجوانية؛ شيء ينتقل إلينا ويبقى في القلب".
وعن لوحاته تقول: "تبرز جداريات مرصعة بالأبجدية اليونانية، وفضاءات من الصمت، لا تقبل التجريد دائما وتذهب إلى فضاء التجسيد اللوني، مستجيبة لصراع الفنان مع تصوراته لأن ما يعنيه إبراز التاريخ في تحولاته المختلفة، فاللوحة عنده أرشيف لطبقات لونية ونفسية متعددة ولأجساد مؤرقة بما تحمله من تصدعات وحالات تنطوي على تناقضات وربما مرايا متجاورة، تسمح لمتلقي اللوحة باستنشاق أكثر من هواء".