التشكيلية هبة حلمي تحرر الخط العربي من طابعه الكلاسيكي بـ"تعويذة"
العلاقة تبدو تكاملية بين القطع الخزفية واللوحات، فرغم اختلاف الخامات، فإنها تتآلف في صيغة تكشف عن رحلة خاصة مرت بها التجربة.
تعرض الفنانة المصرية هبة حلمي أعمالها في "جاليري نوت" بضاحية المعادي جنوب القاهرة، وتضمنت 50 قطعة تنوعت ما بين الخزف والمعلقات، صاغت من خلالها "أبجديتها" الخاصة.
وتبدو العلاقة تكاملية بين القطع الخزفية واللوحات، فرغم اختلاف الخامات فإنها تتآلف في صيغة تكشف عن رحلة خاصة مرت بها التجربة، لتصل إلى هذا المستوى المتميز.
هبة حلمي، فنانة تشكيلية شاركت في معارض فنية بالقاهرة ولندن، ومصممة جرافيك اقترنت تجربتها الفنية في مجال التصميم مع كتب دار الشرقيات، التي بدأت وبزغ نجمها في التسعينيات، وهي أيضاً كاتبة صاحبة كتاب "جوايا شهيد.. فن شارع الثورة المصرية"، ورواية "بنت في حقيبة".
وقالت هبة حلمي لـ"العين الإخبارية" إنها لم تتخذ قراراً بمغادرة عالم تصميم الجرافيك لأغلفة الكتب، مضيفة: "أنسحب دائماً إلى شيء ما يأخذني، إلى ما يثير فضولي، إلى ما يستهويني ولا أعرفه".
وتابعت: "لقد سرت من قبل في مسارات أخرى غير التصوير والتصميم، وعملت في مجال تصميم الحلي، كما كانت لي تجربة مع الأعمال المركبة، وعرضتها في معرض (بيكيا) في ٢٠١١، وكان الخشب والحديد وكل مخلفاتهما أبطال المنتج الفني الأخير الذي بدا كـ(طوطم)، فكنت متأثرة جداً بالفن الأفريقي".
وتحافظ لوحات "حلمي" على جلال الخط العربي، ولكنه يتحرر معها من طابعه الكلاسيكي إلى الفن المعاصر، فمهمتها هي التلاعب بأشكال الخط وإدماجها في نسيج اللوحات المطرزة بحس أنثوي لا يمكن تفاديه.
تعاملت هبة حلمي مع تجربتها بانفتاح ساعدها على استثمار معارف مختلفة بأشكال الخطوط والرسائل التي تحملها، ونظرت إليها كـ"تعاويذ"، ما أعطى للمعرض هذا الانسجام.
وترفض هبة حلمي التصنيف الحاد بين الحرفة والفن، قائلة: "لست مقتنعة بهذه الحدود، بل استهوتني دائماً هذه المساحة الموجودة بينهما، الخزف والحلي والخط، والورش وأصول الصنعة، فلا منجز فني أصيل بلا صنعة".
وتقول الفنانة حول تجربتها الجديدة "تعويذة": "اعتمدت بتصرف على قوانين الخط العربي، ودخلت عالم المخطوطات والألوان والأحبار والتذهيب والمنمنمات، لأتخفى".
وأضافت: "في عالم أسراري، أتيحت لي مساحة من التعبير لم أعرفها تحت النور، تقاوم في السر وبالسر ما لا تستطيع مقاومته علانية، لأكتب تعويذة تحفظ كلمات قد تكون أصبحت محرمة، تعويذة تحمي من النسيان".
وفي معرضها الجديد، تبدو التجربة مشدودة أكثر باتجاه الفن الإسلامي في مراحله المختلفة، بداية من حضور الخط مروراً بأشكال الرسم بورق النباتات.
وترى هبة حلمي أنها انسحبت إلى الخط العربي، حيث كانت لها رغبة قديمة في تعلمه، ومكثت هذه الرغبة عشرين عاماً، حتى اليوم الذي ذهبت فيه إلى فنان الخط الشهير محمد حمام في مكتبه بشارع سليم الأول بعابدين، لكي تطلب أن يكتب لها عنوان كتاب كانت قد صممت غلافه، حيث أعلنت له عن أمنيتها.
وانتظمت "حلمي" في دروس التعلم، وكانت تتوقف لتتأمل أنواع الخط، ولوحات الكبار، وقلم الأستاذ كان يصلح الأخطاء ويقودها إلى التجويد.
وقالت "حلمي": "كان أقصى طموحي أن أكتب عناوين الكتب التي أصمم أغلفتها. وبعد هذه الفترة انقطعت عن الدروس لـ6 أشهر كاملة، ثم عدت مرة أخرى إلى الخط، ولكن بشكل مختلف".
وأضافت: "عدت ويدي تعرف حركة قلم البسط، وذهني حر من التلمذة، وأمامي عالم تشكيلي آخر ينتمي لتقاليد شرقية بالأساس وكنوز من التراث، مخطوطات ولوحات وكتب منسوخة مزينة وزخارف وتذهيب، عالم كامل من جماليات الماضي".
وتابعت: "أما الطين، والورق، والجلد، وأكسيد النحاس، والخيط، والقماش، والسيليكا، ونترات الفضة، فكلها كانت وسائط فاعلة لأكتب بها لغة أدعي أنها لغتي التي ألفتها بعيناي قبل أذني".
وعن أسباب تفكيرها في تطوير التعامل مع الخط العربي وتحريره من ماضيه التراثي لأفق مختلف، قالت هبة حلمي: "أنا مصورة بالأساس، وأتعامل مع الخامة واللون والإيقاع في اللوحة وجماليات التصميم، وهذا هو مخزوني الذي صاحبني وأنا أعبر بوابة الخط العربي".
وأوضحت: "عندما بدأت كتابة التعويذة، لم أعتمد الخط العربي بقواعده الصارمة التي برع فيها الخطاطون عبر العصور حتى اليوم، ولكنني كنت أبحث عن جوهر التشكيل في هذا الخط. فالحروف جميعاً تتكون من مجموع حركات واتجاهات للقلم، محكومة بقياسات وقوانين محددة تعطي لكل خط طابعه الجمالي".
ومن أبرز التقنيات التي اعتمدتها الفنانة في تجربة "التعاويذ" العمل على استخدام تقنية "الكولاج"، والرش، ودولاب الخزف، والتصوير، والفرشاة والخياطة والتطريز.
وخلطت هبة حلمي خامات متنوعة كالقصدير (فضي) بارد اللون، الذي يذكر بعالمنا المعدني، بورق ملون يدوي (ورق الإبرو)، الذي يُزين به لوحات الخطاطين، وخامات فقيرة كالخيش، تجاور أخرى أنيقة كالحرير اليدوي، فكل خامة كانت تجلب معها طاقتها وتاريخها وجمالها، الذي يضيف إلى التعويذة وتأثيرها.
واستخدمت "حلمي" الخزف كوسيط آخر للكتابة والتصميم، ليستدعي بدوره زمن ما قبل الحضارة، وبداية الكتابة، وعلاقة الإنسان بالأرض الأم.
وعادت إلى تقنية البريق المعدني التي ألفها وبرع فيها الفنان المسلم منذ 12 قرناً، في العراق ثم الفسطاط ثم الأندلس، ومنها انتشرت في كل العالم، فقد اعتمدت في كتابة تعاويذها على تراث الخط العربي المتجدد، والخزف الإسلامي، ممزوجاً بالتراث الإنساني للتصوير الحديث، لتكون تعويذتها معاصرة، بحسب قولها.