الناقد حاتم الصكر: حروب العراق أنعشت فن الرواية
الشاعر العراقي حاتم الصكر يقيم في الولايات المتحدة منذ 2011، وأصدر العديد من الأعمال ما بين النقد والشعر وله رؤية خاصة في النقد الأدبي.
قال الشاعر والناقد العراقي حاتم الصكر إن قراءة الشعر تنحسر في العالم كله لابتعاد الأجيال الجديدة عن الشعر لصعوبة فهم تركيبته، موضحا أن تلك الأجيال تستبدل الشعر وتتجه نحو قراءة الروايات الخفيفة والمشوقة.
ويرى الصكر في حواره مع "العين الإخبارية" أن حروب العراق المتتالية والتغيرات الحادة والأحداث الكبرى في تاريخ هذا البلد مهدت وشجعت انتعاش الرواية التي لم يكن الأدب العراقي خالياً منها تماماً.
الصكر من مواليد بغداد 1945 حاصل على دكتوراه في الآداب بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى في الأدب العربي الحديث والنقد، وعضو اتحاد الكتاب العرب واتحاد الأدباء العراقيين ورابطة نقاد الأدب.
يقيم الصكر في الولايات المتحدة منذ أبريل/نيسان 2011 ويعمل ككاتب متفرغ، وأصدر العديد من الأعمال ما بين النقد والشعر، منها "حلم الفراشة: الإيقاع الداخلي والخصائص النصية في قصيدة النثر"، و"نقد الحداثة بواكير الخطاب النقدي العربي" و"في غيبوبة الذاكرة – دراسات في قصيدة الحداثة"، و"أقنعة السيرة الذاتية وتجلياتها"، وله 3 تجارب شعرية منها "بريد بغداد"، و"الهبوط إلى برج القوي".. وإلى نص الحوار:
لماذا ابتعدت عن الشعر بعد إصدارك 3 دواوين؟
كثيراً ما وجه لي هذا السؤال، وهو سؤال مشروع بحسب ظني، حيث إنني انصرفت تماماً إلى نقد الشعر بعد توقفي عن كتابته، وهو في اعتقادي ليس اختياراً مفاجئاً؛ لأن للشعر مضائق كما قال النقاد العرب القدامى وله طرق تسلكها وتألفها وتألفك، لكن إذا توقفت ووجدت طريقاً آخر وإن كان قريباً من طريق الشعر، فتوقفك سيتحول إلى استراتيجية في تناولك للأشياء، والنظر إليها والوعي بها، وهذا ما وقع معي، وجدت أنني في اتجاه آخر.
ما مضمون كتابك الأخير "نقد الحداثة- قراءات استعادية في الخطاب النقدي وتنويعاته المعاصرة"؟
يمكن أن ألخص دافعي لكتابة هذا الكتاب الذي يعد نوعاً من نقد النقد أو القراءات الاستعادية للنقد العربي الحديث، بشعوري بالحاجة لمساءلة النقد بعيداً عن موقف رفضه ونفيه وشطبه من الخطاب الأدبي والثقافي، كما يجري عادة في حديث كثير من الشعراء والشاعرات عن النقد.
هنا حاولت أن أستعيد بعض نداءات الحداثة وما حولها، ووجدت أن ثمة ما هو قريب من حداثة الشعر؛ كالدعوة لتحرير المرأة وتحرير العقل العربي، ونقد المجتمع وأخلاقياته، وغير ذلك مما أعتقد أنه ساهم في التمهيد للحداثة النقدية.
تشير في مستهل كتابك إلى أنه "يجري الحديث دوماً عن تأخرنا في ملاحقة الحداثة الغربية التي انتهى بها زمنها خارج التداول لتحل محلها تيارات ما بعد الحداثة، فأين النقد العربي من ذلك؟
الحداثة مشروع تتغير معطياته بما يستجد من نصوص ونزعات وتيارات، لذا كان اللحاق بالغرب نظرياً هو نوع من الاستعانة الضرورية، فالنقد الأدبي العربي الموروث رغم غناه وتنوعه لا يقدم عوناً كبيراً أو شاملا، وليس مطلوباً منه ذلك.
بالمقابل ليس مطلوباً من النقد الغربي أن يقدم مقترحات لقراءة أو نقد نصوصنا، لأنه مستقى من نصوص محيطه وظرفه، وإذا ما كانت النظريات تقدم عوناَ لنا فليس أكثر من دور العصا التي تعين على السير، وليس الطريق أو الهدف لنقدنا المعاصر.
ثمة إشكالية حضارية أمام المثقف العربي في الشرق الأوسط ألا وهي إشكالية الحداثة، كيف تنظر إلى حداثتنا المجهضة في العالم العربي؟
لا أنظر بارتياح لوصف حداثتنا بالمجهضة كما في السؤال، ربما هي ناقصة، أي تعمل في فضاء مفارقة حقيقية، فالتحديث الفني متقدم ومُواكب للتيارات الجديدة والتغيرات الأسلوبية، لكن الحياة العربية ذاتها تعيش خذلاناً وثباتاً رهيبين، بل تراجعاً واضحاً.
من هنا تبدو أسئلة الحداثة هامشية ونخبوية، وكذلك تجديداتها المتفوقة على الماضي، انظر الرسم الحديث وقصائد النثر والرواية والمسرح ونظريات النقد والترجمة كأمثلة، وهي إشكالية حقاً لأنها غالباً ما يساء فهمها من طرف رافضيها ومن دعاتها ومعتنقيها من الخصوم بتصوراتهم التقليدية التي تربط الحداثة أيديولوجياً بالغرب، وتراها في قراءة أخرى نقيض الأصالة والهوية، وبعض أنصارها يقعون في وهم أنها حل سحري لمشكلات الحياة والثقافة، وينسبون لها ما ليس منها.
أنت من أهم النقاد العرب الذين يعلنون انحيازهم الواضح بشكل صريح وقوي لقصيدة النثر، وهناك من يعتبرها مجرد خواطر شخصية ولا ترتقي لمستوي القصيدة العمودية، فماذا قدمت قصيدة النثر للشعر العربي؟
أنحاز لقصيدة النثر لمبرراتها الفنية والجمالية، ولقيمة وأهمية نصوصها العربية والعالمية، أرى فيها مقترحاً ليس لتحديث القصيدة فحسب، بل لتقديم رؤية ذات أفق جمالي وفني يتجسد في حريتها وسرديتها وإيقاعها المتنوع، ومسؤولية الشاعر والقارئ المشتركة في تعيينها وتحققها، وهي من مقترحات تحديث القصيدة وفتح طرق جديدة لها بعد أن تيبست بتكرار نماذجها وأطرها وأنماط كتابتها بتقادم الزمن.
أما عدُّها خواطر وغير ذلك من التوصيفات السطحية التي لا تتوفر على معرفة مبررات ومزايا قصيدة النثر، فهو مفند ومردود عليه منذ احتدم الجدل حولها، وما قوبلت به من رفض وتخوين، كأية دعوة تجديدية.
هل نعيش أزمة شعر أم أزمة شعراء؟ وفي رأيك لماذا الشعر يفتقد القراء؟
قراءة الشعر تنحسر في العالم أيضاً، تنشأ أجيال الآن لا تقترب من الشعر لصعوبة نظامه وبنيته التركيبية ولغته، وتستبدل ذلك وتتجه نحو قراءة الروايات الخفيفة والمشوقة وبالوسائط التقنية الجديدة، لكن حركة الشعر ومستقبله مرهونان بكتّابه وقرائه المختصين أو المهتمين بتحولاته، وليس في تداوليته عبر حصر عدد ما يباع من كتب الشعر أو ما ينشر.
وكيف تفسر حضور الرواية العراقية بقوة خلال السنوات الأخيرة وانحسار الشعر العراقي الذي كان يتسيد المشهد الأدبي من قبل؟
العراق لا ينفرد بهذه الحالة التي يشخصها السؤال، ولكن ثمة خصوصية في الثقافة العراقية ذات امتداد اجتماعي مرتبط بالطقوس والعادات والفنون والأمثال والحياة اليومية أيضاً، وهي هيمنة الشعر في الخطاب العام وعناصره، تلك الخصوصية تجعل الشعر الشعبي العراقي مثلاً ذا موقع خاص في الثقافة والتداول الجماهيري.
السرد يأتي بعد نضوج متطلباته ومرجعياته ودوافعه، وأعتقد جازماً أن حروب العراق المتتالية والتغيرات الحادة والأحداث الكبرى في حياته وواقعه مهدت أو شجعت لانتعاش الرواية التي لم يكن الأدب العراقي خالياً منها تماماً، لكن الاهتمام المتزايد الآن بالرواية مرجعه إلى وجود حاضنة سردية مناسبة، وإيقاع حياتي مشجع على ذلك.
ما الذي أعطاه المهجر للدكتور حاتم الصكر وما الذي سرقه منه وما تأثيراته على شخصيته وكتاباته؟
وددت لو كان السؤال: ماذا أخذ مني المهجر؟ فقد جئته متقدماً في العمر لأعيش بعيداً عن لساني ومكتبتي وأقراني، في محيط لا يمكن لي أن أسهم فيه بسهولة لطبيعة اختصاصي واشتغالي على الشعر العربي والثقافة عامة.
ولعل عوامل التواصل ووسائطه عوضتني عن بعض ما أفتقده، ليستمر تواصلي الثقافي عربياً، لكنني لا أنسى أن المهجر أعطاني استقراراً حياتياً أحتاج له، لا سيما وقد جئته جريحاً بكثير من شظايا الوطن ومشكلاته وعنفه ومفارقاته.