الذكاء الاصطناعي يجعل الحياة صورة تحاكي الدراما
رصد لتأثير الدراما على مسار الأبحاث العلمية وتوجهات الناس السياسية وقدرتها على تنبؤ مستقبل سلوك الأفراد.
ما بشرت به الحلقة الأولى من الموسم الثاني لمسلسل الخيال العلمي البريطاني "المرآة السوداء" (Black Mirror) الذي عرض في 11 فبراير 2013، بات بعد أكثر من 5 سنوات ونصف السنة، موضوع بحث يشغل العلماء في معهد شري ديفي للتكنولوجيا بالهند، الذين أجروا مؤخراً دراسة حول استخدام الذكاء الاصطناعي في التواصل مع نسخ افتراضية لأحبائهم المتوفين.
في دراما "المرآة السوداء" سنجد امرأة تستخدم تقنية لمحاكاة صديقها المتوفي، اعتماداً على صوته وشخصيته في الهاتف المحمول وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وسرعان ما يتطور الأمر إلى صناعة نسخة آلية، مطابقة تماماً لشكل صديقها".
وفي الدراسة الهندية يعكف الباحثون على تصميم ما يسمونه "REPLICA AI" وهو تطبيق يهدف إلى إنتاج نسخ من شخصيات رقمية طبق الأصل عن الأشخاص المتوفين بما يسمح للآخرين بمواصلة التواصل معهم على الرغم من موتهم، وذلك اعتماداً على ما يسميه الباحثون "مفهوم الوعي الرقمي" الذي يقوم على تخزين بيانات شخص ما داخل الكمبيوتر، بما فيها ذكرياته الرقمية مع عائلته وأصدقائه، لتقوم تقنيات الذكاء الاصطناعي بإنشاء "روبوت" يتصرف ويتفاعل ويتحدث مثل هذه الشخصية بالضبط، ويمكن التواصل معه والتحدث إليه عبر الإنترنت، على نحو مشابه للتحدث مع أي شخص على "الواتساب" أو أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي.
هذا الشكل من التواصل يكاد يحيلنا أيضاً إلى فيلم الخيال العلمي الأمريكي "هي" (HER) (ديسمبر 2013)، حيث نتابع حكاية الشاب "ثيودور" الذي يعاني من الوحدة والعزلة، وقد وجد في جهاز يعتمد نظام الذكاء الاصطناعي، في تقديم نظام تشغيلي تحت اسم "سامانثا" وبصوت أنثى تتفاعل مع الشاب كأنها شخص حي، فتضحك وتحزن وتتألم وتحادثه وتهتم به، لدرجة أنه يقع في حبها.
التطابق المثير بين خيال دراما "المرآة السوداء" و"هي".. مع واقع "الأبحاث الهندية" اليوم، لا يمكن تشبيهه، بأي حال من الأحوال، بذلك الجدل الذي أثاره المسلسل الكرتوني "عائلة سيمبسون" حين (تنبأ) بتولي رجل الأعمال دونالد ترامب منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، أو تشريع الماريغوانا في كندا، وظهور مرض الإيبولا، وإنما نحن نتحدث عن الدراما، بوصفها أداة تبشير لطالما شكلت تعبيراً عن نزوع الإنسان للجديد، وعملت على إشراك فضول المشاهد لتخيل شكل عالمنا المحتمل في المستقبل.
أما الجديد المثير اليوم، فهو إدراكنا أن الخيال والحقيقة باتا قريبين من بعضهما البعض أكثر من أي وقت مضى، وأن الدراما باتت بالفعل ترسم خريطة طريق لمستقبل الذكاء الاصطناعي، وبعد أن كنا نقول إن الدراما صورة مجتزأة عن الحياة، تقوم بتجسيد الواقع ومحاكاته، يصح أن نضيف على ذلك اليوم فنقول: إنه يحدث أحياناً أن تكون الحياة صورة مستوحاة من الدراما وتحاكيها.