عباس النوري لـ"العين الإخبارية": أؤيد انتقادات "باب الحارة" وأخشى ماكينة الدراما المصرية
الفنان السوري عباس النوري يكشف لـ"العين الإخبارية" رؤيته للسينما السورية في الوقت الحالي وتفسيره للنجاح غير المسبوق لمسلسل "باب الحارة"
نجح الفنان السوري عباس النوري أن يحجز لنفسه مكانا في قلوب الملايين من عشاق الدراما التليفزيونية، بفضل أدواره المتميزة التي يأتي في مقدمتها دور "أبو عصام" في مسلسل "باب الحارة" الذي حقق نجاحا استثنائيا في تاريخ الدراما السورية.
ورغم أن وجود عباس النوري على شاشة السينما ليس بقوة حضوره التليفزيوني، إلا أنه حظي مؤخرا بتكريم من مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، وهو ما يعتبره "النوري" بمثابة وسام على صدره لكونه يأتي من مدينة الإسكندرية التي شهدت ثاني عرض سينمائي في العالم.
ويكشف عباس النوري في حواره مع "العين الإخبارية" رؤيته للسينما السورية في الوقت الحالي، وقدرتها على التعبير عن الواقع السوري، وتفسيره للنجاح غير المسبوق لحلقات "باب الحارة"، ومسلسله الجديد الممنوع من العرض، وموقفه من العمل في مصر أسوة بالعديد من نجوم الدراما السورية.
ماذا يعني تكريمك مؤخرا في مصر من خلال مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط؟
أنا سعيد جدا بهذا التكريم، لأن الإسكندرية هي بلد السينما، وقدمت العديد من الأسماء الخالدة للسينما المصرية والعربية، منها المخرج الراحل يوسف شاهين، إلى جانب أن حفل الافتتاح أقيم في مكتبة الإسكندرية، وفي ذلك دلالة لتلاقي الثقافة والسينما، وفي رأيي أن الإنتاج السينمائي هو إنتاج يختبر نفسه في الثقافة العامة، فالثقافة هي الناس، وهي التراث، وقراءة الواقع، ومحاولة إيجاد رؤية مختلفة للحياة حتى في القضايا الشائكة في حياتنا ولو كانت دموية وعفنة، والسينما تجد جمالياتها ومتعة خاصة في تسليط الضوء على مجموعة من مناحي حياتنا الاجتماعية بطريقتها، لذلك نطمح أن يكون لفن السينما دور ما يمكن أن يؤسَّس له على المستوى الفكري، ولاحظت في مهرجان الإسكندرية أن هناك توجها حقيقيا نحو ما يسمى إبداع حر، وأنا سعيد بتوفر هذا المناخ والحوار المفتوح عبر الندوات بعيدا عن تنميط الأفكار التي تأخذ بعدا سياسيا، فيوسف شاهين عندما قدم أفلامه لم يكن سياسيا، بل رجل فكر، وفي اللحظة السينمائية الراهنة يجب أن يكون لكل مخرج مشروع ثقافي يعبر عن موقفه ومستوى معرفته، فالإخراج ليس صناعة يمكن أن نتعلمها لكنه رؤية ومشروع ثقافي بالدرجة الأولى.
هل تكون السينما باستمرار عند حسن الظن وتعبر عن واقع الناس ومشاكلهم؟
هي بطبيعة الحال تعبر عن الواقع، لو وضعنا كاميرا وصورنا الناس بدون سيناريو سنرى مشاكل وقضايا في أي شارع عربي، سواء في دمشق أو الإسكندرية، فالكاميرا ترصد الواقع، لكن انتقاء هذه المشاكل وتحقيق رؤية من خلالها وتكوينها كحكاية هو من يصنع منها رسالة، وهذا لا يلغي المتعة، فيجب أن يكون هناك متعة، والمؤشرات لكل الأفلام التي شاهدتها في مهرجان الإسكندرية وتحديدا الأفلام السورية فيها متعة، مثل "دمشق حلب" للفنان الكبير دريد لحام والمخرج باسل الخطيب، و"أمينة" للفنان الكبير أيمن زيدان، وهذا ليس انحيازا، فهي أفلام غاية في الإنسانية والمتعة على كل المستويات سواء البصرية أو الحكائية.
هل نجحت السينما السورية في التعبير عن واقع البلاد في السنوات الأخيرة؟
السينما كانت لها محاولات كثيرة للتعبير عن الوضع الحالي في سوريا، وهناك إلحاح كبير لكي تقدم السينما شيئا أهم، وهذا إلحاح ثقافي، وأي رؤية سيتم تقديمها حاليا ستكون مبتسرة غير قادرة على القراءة الشاملة للأمر، فلا يمكن أن تختصر مرحلة تاريخية في فيلم، لكن السينما ترصد ملامح إنسانية للواقع، وقد رأينا الأزمة السورية في فيلم "دمشق حلب" دون أن نرى طلقة رصاص واحدة، فقد رأينا الإنسان السوري الذي قدره الصبر وقبول التنوع، وقبول الاختلاف، والحوار الذي يجب أن يقوم في سوريا لا يجب أن يكون بالنار، هذا قدر السوري، فنحن في سوريا لدينا ميزة في تشكيلة المجتمع، حيث لدينا ثقافات وأعراق وقوميات وأديان مختلفة، وهذه كلها ثقافات ونحن نعتز بها كلها، لكن هذا الاختلاف يجب أن يؤدي لإنتاج قانون يحمي الجميع، وهذا ما نبحث عنه في دستورنا القادم.
من أهم أدوارك دور "أبو عصام" في المسلسل الشهير "باب الحارة"، كيف تفسر النجاح الكبير للمسلسل في الوطن العربي؟
سبب نجاح هذا المسلسل هو الجاذبية لأننا في النهاية مجتمعات متشابهة، ولا يمكن إلغاء هذا التشابه، فكلنا مجتمعات واحدة وإن اختلفت لهجاتنا، فالنشيد الوطني المصري يمكن أن نسمعه في سوريا ونقف احتراما له، وكذلك الحال بالنسبة للنشيد الوطني السوري في مصر، ونفس الكلام بالنسبة لأي نشيد وطني لأي دولة عربية، ومن وضعوا الموسيقى للنشيد الوطني السوري لبنانيون، والموسيقار المصري الشهير محمد فوزي هو من وضع الموسيقى للنشيد الوطني الجزائري، وهذا دليل اختلاط، ونحن أولاد مجتمعات واحدة، وشخصية مثل "أبوعصام الحكيم" يمكن أن نجدها في مصر باسم "العمدة"، وفي الأردن باسم "المختار"، وفي العراق "زعيم عشيرة"، وفي الخليج عموما "شيخ قبيلة".
هل كنت تتوقع هذا النجاح الكبير لمسلسل "باب الحارة" أثناء تصوير الجزء الأول؟
إطلاقا لم نتوقع كل هذا النجاح، لكن الأعمال الشامية تحديدا لها جاذبية لحميمية حضورها، والمتعة التي يسببها العمل الشامي تم استثمارها بطريقة مزعجة فيما بعد في أعمال شامية مشابهة ومتكررة لكنها غير أصيلة، هم أرادوا تقليد "باب الحارة"، ونحن سنة 1992 قدمنا مسلسلا بعنوان "أيام شامية" وكان أجمل مسلسلات البيئة الشامية على الإطلاق، وبعد مرور 26 سنة على هذا المسلسل أستطيع القول إن الـ14 حلقة التي أنتجت وقتها كانت هي المدرسة الأولى لكل الأعمال الشامية التي قدمت بعد ذلك، مثل "ليالي الصالحية" و"باب الحارة" وغيرها من الأعمال التي تقدم هذه الأجواء، لكن البيئة الشامية بطبيعة الحال محببة لدى المجتمع العربي.
معنى ذلك أن البيئة الشامية وحدها وراء نجاح المسلسل؟
البيئة الشامية تحمل هذا الزخم وهذه الصيغة في العلاقات الإنسانية التي شاهدناها في المسلسل، و"باب الحارة" عمل افتراضي بشكل من الأشكال وكان يحاكيها، ويقلدها ويرسم علاقاتها بشكلها الحقيقي كما وردت في زمانها حتى لو وجهت له انتقادات، فالمسلسل تعرض لانتقادات شديدة جدا، وأنا مع الناس في انتقاداتهم ولا أستطيع إلا أن أكون في صف الناس، لأن الجمهور هو ملعبنا الوحيد وسوقنا الرئيسية، وهو هدفنا الرئيسي.
وما رأيك في القول بأن الانتقادات التي وجهت لمسلسل "باب الحارة" ربما كان سببها الأساسي هو الغيرة الشديدة على هذا العمل بعد التطويل في أجزائه؟
كما قلت أنا مع الناس، وما يقوله الناس معهم حق فيه حتى لو وصلت لدرجة "السباب"، فما الذي يجعل الناس "تسب" وتنتقد بحدة؟ لأنهم يشعرون بأنهم أصحاب العمل وأن هذا العمل أسيء له وأصبح يقدم أشياء غير جميلة، وهذا رأي الناس ويجب أن يكون المسلسل عند حسن ظنهم، والأجزاء المتكررة أصبحت تجهز التهمة له بأنه أصبح صاحب علامة تجارية، وهذا الكلام صحيح بنسبة معينة، لكنه أيضا غير صحيح بنسبة أخرى، فأنا عندما أعمل في هذا المسلسل تكون غايتي الرئيسية أن أقدم جرعة جديدة من المتعة عن "أبوعصام"، وهي الشخصية التي أكون مسؤولا عنها وفي حدودها أستطيع أن أتحدث، فأنا لا أستطيع أن أتحدث عن بقية عناصر العمل لأنه ليس بتوقيعي، لكنه بتوقيع مخرج ومنتج.
ما حقيقة أن وفاة شخصية "أبو عصام" في الجزء الثالث من المسلسل كان وراءها خلافات بينك وبين المخرج؟
الحقيقة أن المسلسل في البداية كان جزأين فقط، وكثيرون كانوا يرون أنه كان يجب أن يتوقف العمل بعد الجزء الثاني، وأنا أحترم هذا الرأي جدا، لكن بعد أن صار هناك إمكانية لإنتاج الجزأين الثالث والرابع قرأت محاولات في كتابة السيناريو، حيث اشترطت قراءة السيناريو لأرى إلى أين سيتجه "أبو عصام"، وهذا حقي الطبيعي، ووجدت أن "أبو عصام" يتجه لمكان هامشي، رغم أنه شخصية محببة ويجب استثمارها في حكاية أجمل، فهم غيبوه عن الأحداث بطريقة ما ولم يستطيعوا أن يقولوا إنه مات، لكن التغييب كان به إشارات عن وفاته، وعودته للأحداث لم تكن مفبركة وإنما كانت قائمة على قناعتي وبإلحاح من الجمهور والجهة المنتجة، فالمنتج لن ينفق أموالا زائدة إذا كان الناس لا يريدون "أبو عصام"، حيث كان هناك إلحاح شعبي وضغط، وهذا جعلني أعود مرة أخرى لأفكر من جديد كيف يمكن أن أعود لهذا العمل وبطريقة مختلفة، وعودة شخصية "أبو عصام" لم تكن بطريقة تجارية، وإنما كانت هناك محاولات لإخراج هذا النص مما وقع فيه من استعراضات ليس لها معنى، فالناس شعرت بالملل من حكاية "الزعيم" و"العقيد" و"الأباضيات"، وشخصية الحكيم أبو عصام لم تكن مجرد أنه حكيم يعالج الناس لكنه كان يتدخل لحل المشاكل، وإلغاؤه يعتبر إلغاء لحضور القيمة الاجتماعية.
هناك عدد كبير من النجوم السوريين عملوا في مصر وحققوا نجاحا كبيرا، لماذا لم تأخذ نفس الاتجاه؟
تلقيت عروضا عديدة للعمل في مصر، وما زال لدي فرص موجودة بالفعل، لكنني أخشى دخول "الماكينة" المصرية الكبيرة، وهي الماكينة الكبيرة الوحيدة في العالم العربي، والمشهد الفني المصري متقدم ورائد على كل البلاد العربية، ودخول هذه "الماكينة" يستلزم وجود شيء يخصني أستطيع أن أقدمه فعلا ويبيض وجهي، وقد تشرفت بالعمل في مصر من خلال المسلسل التاريخي "سقوط الخلافة" مع المخرج محمد عزيزية، وكنت سعيدا بمشاركتي مع عدد من النجوم المصريين الكبار مثل سميحة أيوب وعايدة عبدالعزيز وأشرف عبدالغفور وسامح الصريطي والراحل أحمد راتب، وهم أساتذة في التمثيل بالفعل، وكنت أستفيد منهم، لكن مسألة أن أشارك في عمل وأتحدث باللهجة المصرية بمثابة امتحان صعب، وأحلم بتقديم مسلسل عربي يضم فنانين من كافة البلدان العربية، أنا جاهز لتقديمه في أي لحظة.
وما حقيقة تلقيك عرضا لتقديم شخصية الأديب الراحل إحسان عبدالقدوس في عمل درامي؟
هذا صحيح، وشعرت بالرعب لأنها شخصية كبيرة ولها إرث وماضي عريق لدى الجمهور، فكيف أراهن على نفسي في هذه الشخصية، كما كان هناك مشروع مسلسل آخر تدور أحداثه في مدينة العريش، وكان من الممكن أن أهرب فيه من ضعف إجادتي للهجة المصرية، لأن اللهجة البدوية لأهالي العريش أستطيع إتقانها، لكن تأجل هذا المشروع أكثر من مرة، رغم أن الموضوع كان شيق جدا حول جاسوس تزرعه المخابرات المصرية في إسرائيل.
هل سبق لك العمل في الإمارات؟
عملت في الإمارات ببعض المسلسلات من الإنتاج السوري.
ما الجديد لديك في الفترة المقبلة ؟
لدي مسلسل مؤجل بعنوان "ترجمان الأشواق"، والغريب أن من أنتج هذا المسلسل هو نفسه من منعه، حيث تقمص دور الرقيب ومنعه دون سبب مفهوم، والحكاية تبدو سياسية بعض الشيء، كما أن لدي مشروع مسلسل أكتبه حاليا، حيث كان لي تجارب عديدة سابقة في الكتابة الدرامية منها مسلسل "أولاد القيمرية" الذي شاركت في كتابته مع حافظ قرقوط، كما شاركت مع زوجتي الكاتبة عنود خالد في كتابة مسلسل "طالع الفضة".