"العين الإخبارية" تجيب.. هل كان أشرف مروان جاسوسا لإسرائيل؟
خلال الأيام الماضية عاد الحديث عن أشرف مروان ودوره في حرب أكتوبر، بعد أن طرحت شركة نتفليكس برومو الفيلم الإسرائيلي "الملاك".
45 عاما تمر على حرب 6 أكتوبر، وطوال العقود الماضية برزت أسماء شخصيات وقيادات عسكرية مصرية لدورها في تحقيق النصر، ومن بين هذه الشخصيات تردد اسم أشرف مروان، المستشار السياسي والأمني للرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي لعب دورا مهما ومحوريا في نجاح الحرب ضد إسرائيل، خاصة بعد أن تمكن من خداع جهاز الموساد الإسرائيلي.
وخلال الأيام الماضية عاد الحديث عن أشرف مروان ودوره في حرب أكتوبر، بعد أن طرحت شركة نتفليكس برومو الفيلم الإسرائيلي "الملاك" الذي يتناول قصة حياة أشرف مروان تمهيدا لعرضه في الـ14 من سبتمبر/أيلول الجاري.
وسادت حالة من الجدل حول الفيلم على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بين المصريين. الجدل القائم لم يكن متعلقا بأمور فنية وتقنية في العمل الفني، بل دار النقاش حول حقيقة القصة التي يتناولها الفيلم الإسرائيلي.
واتفق خبيران في تصريحات منفصلة لـ"العين الإخبارية"، على أن الفيلم لا يحمل أي قيمة فنية بداخله، بل هو حرب مضللة من إسرائيل ضد الأجهزة المعلوماتية العربية، مؤكدين أن حرب المعلومات أصبحت علنية وموجهة عبر وسائل الإعلام والأعمال الفنية.
ويتناول الفيلم قصة حياة أشرف مروان على أنه كان عميلا لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلية في الفترة من 1969 حتى عام 1975. كما يزعم الفيلم المأخوذ عن كتاب "الملاك أشرف مروان" للخبير في شؤون الاستخبارات أوري بار يوسف، أن مروان كان يمد الموساد بالمعلومات المتعلقة بموعد الضربة المصرية الأولى للمواقع العسكرية الإسرائيلية، إضافة لصفقات السلاح بين مصر والاتحاد السوفيتي وقتها.
الحرب المقبلة
ويقول الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن الفيلم الإسرائيلي جزء من الحرب المضللة التي يقودها الموساد ضد الأجهزة المعلوماتية العربية، موضحا أن الأمر لا يتعلق بمصر فقط أو شخص أشرف مروان، بينما تدخل القضية في المواجهة الإعلامية، خاصة أن إسرائيل تسعى لتوظيف الإعلام لنشر معلومات مضللة لخدمة جهاز المعلومات والاستخبارات لديها.
وأضاف فهمي: "ملف أشرف مروان لن يكون الملف الأخير والقضية الوحيدة التي تتناولها إسرائيل خلال المرحلة المقبلة، عملية نشر المعلومات المضللة وفتح قضايا عملاء آخرين تصبح سياسة إسرائيل المقبلة"، مشيرا إلى أن تغيير الموساد لسياسته متعلق بتغييرات داخل أجهزة إسرائيل نفسها.
كما أكد اللواء جمال أبو ذكري، الخبير الأمني بجهاز الأمن القومي المصري، أن فيلم "الملاك" الذي أنتجته إسرائيل ليس سوى محاولة إسرائيلية لتشويه سمعة أشرف مروان والانتقام منه لأنه نجح في خداعهم وقدم خدمات جليلة لمصر، مؤكدا أن وجود مروان في تل أبيب تم وفقا لتعليمات الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
ماذا تريد إسرائيل؟
وحلل أستاذ العلوم السياسية، أهداف إسرائيل من عرض الفيلم وتزييف الحقائق إلى 3 أسباب، السبب الأول يعد محاولة إسرائيلية لتبيض وجه الموساد، خاصة أن طوال السنوات الـ10 الماضية شهدت إخفاقات متتالية من جبهات مختلفة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية، إضافة إلى استمرار الصراع حول الأدوار والمهام داخل الجهاز نفسه.
كما أرجع فهمي السبب الثاني إلى خطة تحديث المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي تعد أكبر خطة في تاريخ الدول العبرية، مؤكدا أن إسرائيل تريد تغيير فلسفتها وتحديث الموساد، لذا يصح هناك واقع جديد يتشكل في إسرائيل.
بينما اعتمد السبب الثالث على أن الرواية الإسرائيلية الخاصة بأشرف مروان لم تحسم بعد، ورغم أن الفيلم يشير إلى أن مروان كان عميلا لصالح الموساد وعمل لخدمة إسرائيل، فإن الحقيقة تكشف عكس ذلك، خاصة أن أشرف مروان حصل على تكريم وأوسمة من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، فضلا عن أن الدولة المصرية أعدت جنازة عسكرية لمروان الذي رحل في 27 يونيو/حزيران 2007 وفي المقابل لم تكرمه إسرائيل، وفقا لتحليل الخبير السياسي طارق فهمي.
وألمح فهمي إلى أن إسرائيل دائما تطلق أسماء العملاء على منشآتها العسكرية، وفي حالة أشرف مروان لم يحدث هذا.
وبدوره، أوضح أبو ذكري أن مروان قام بالدور المكلف به من جانب الأجهزة المصرية على أكمل وجه وكان له دور محوري في تقديم معلومات خاصة لمصر وقت حرب أكتوبر عام 1973، مشددا على أنه ربطته به علاقة صداقة شخصية ويشهد بوطنيته، وأنه لم يعمل يوما إلا لخدمة وطنه.
ووصف أبو ذكري محاولات تل أبيب لتشويه صورة أشرف مروان بالمكايدة الرخيصة، مؤكدا أن إسرائيل دبرت عملية قتله في لندن لأنه كان على وشك كتابة مذكراته التي كانت ستفضح الإسرائيليين وكان سينشر لأول مرة معلومات ووثائق تساعد في كشفهم أمام المجتمع الدولي وهو ما دفعهم لتدبير خطة اغتياله وتنفيذها في لندن.
الحقائق
واستكمل فهمي تفسيره في قضية الفيلم ومحاولات الموساد لنشر معلومات مضللة، مؤكدا أن تحريف الحقائق سياسة الموساد، وشنت الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية منذ عام حملة ضد أشرف مروان عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، تمهيدا لعرض الفيلم الذي يزيد غموضا في المشهد.
وأضاف: "الفيلم بعيد تماما عن الحقيقة، وتم إصدار كتب وإصدارات إسرائيلية عديدة حول أشرف مروان"، منوها بأن كتاب جهاد السادات لشمعون منديس الذي عمل في شعبة المخابرات العسكرية بإسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973، منح أشرف مروان حقه مقارنة بباقي الإصدارات الإسرائيلية.
كما أوضح أن كتابات رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إيلي زاعيرا كشفت حقيقة أشرف مروان وأكدت أنه رجل مخلص عمل لصالح مصر، مشيرا إلى أنه تم إيقاف هذه الكتابات لأسباب أمنية، وأن الصراع داخل الموساد حول دور ومهام مروان يشهد جدلا كبيرا لم يتم حسمه بعد.
وتطرق فهمي إلى أن هناك 14 كتابا وإصدارا تحدث عن أشرف مروان، بينما الفيلم الذي تقرر صنعه اعتمد فقط على وجهة نظر واحدة وكتاب ضعيف المصادر والتفسيرات مقارنة بإصدارات أخرى عن القضية نفسها.
الرد المصري
وحول موقف الدولة المصرية من عرض الفيلم الذي يحمل داخله حقائق مزيفة، أكد الخبير الأمني المصري أن مصر سترد رسميا على هذا الفيلم، وتنفي أي تهمة عن مروان لأنه رجل وطني ويستحق الشكر والإشادة.
كما أشار فهمي إلى ضرورة وجود رؤية استباقية للتعامل مع هذه القضايا، مشددا على أن مصر وأجهزتها لديها القدرة الكاملة للرد على هذه الادعاءات الإسرائيلية، وأن يصبح الرد الرسمي وفقا لرؤية علمية وحقائق وواضحة.
وتوقع الخبير السياسي أن قضية أشرف مروان لن تصبح القضية الوحيدة التي يثيرها الموساد بهذه المغالطات التاريخية، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية لم تقدم أي رد رسمي حول هذه القضية.
ويختتم فهمي حديثه متسائلا موقف الدولة المصرية من أشرف مروان واضحا ومحسوما.. فماذا عن موقف الحكومة الإسرائيلية من القضية؟
يذكر أن أشرف مروان عمل مستشارا سياسيا وأمنيا للرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1970، كما ترأس الهيئة العربية للتصنيع خلال الفترة من 1974 حتى عام 1979.. والتحق مروان بالقوات المسلحة المصرية عام 1965 بعد أنهى دراسته في كلية العلوم بجامعة القاهرة، وظل يعمل بالمعامل المركزية بالجيش المصري حتى تولى مساعد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وتزوج أشرف مروان بمنى عبدالناصر ابنة الرئيس جمال عبدالناصر، وعاش مروان في لندن بعد أن ترك السياسة وعمل رجل أعمال حتى وفاته في يونيو/حزيران 2007.