شيء ما، وربما أشياء، تستدعي القلق مما يجري فوق أراضي آسيا، الروسية والصينية والكورية دفعة واحدة، ما يفتح الباب لتساؤل مخيف حول المواجهة الأممية العالمية، التي لا يتطلع إليها أحد، لكن سياقات الأحداث تقود إليها حُكما.
تبدو المخاوف حقيقية من أن تتحول آسيا لرقعة حرب عالمية، بعد أن كانت القارة الأوروبية الموقع والموضع لحربين عالميتين خلال القرن العشرين.
ما الذي يدفعنا لهذه القراءة؟ وهل الأمر مجرد تنبؤات أم حسابات خوارزمية وتقديرات مواقف عسكرية استراتيجية مسبقة؟
الشاهد أن هناك الكثير من الأحداث المتسارعة، والتي تقطع بأن الهول الأعظم قادم في الطريق لا محالة، والبداية من المركز الرئيس للأزمة المحورية، أي المواجهة الروسية الأوكرانية.
ما يجري من موسكو لكييف هو استعداد لما أسماه الرئيس الأوكراني زيلنسكي "معركة الانتقام الكبير"، وقد يكون ذلك بدرجة أو أخرى حقيقيا، إذ إن كل الشواهد تقول إن الروس يتجهزون لـ"معركة الربيع الكبير"، والتي ستعزف فيها الأوركسترا العسكري الروسي بكامل منظومتها التقليدية لضمان الانتهاء من المعركة مرة واحدة وبسرعة.
غير أن الخطط الروسية لا تغيب عن أعين الناتو، ولهذا نشاهد تسريعا غير اعتيادي لجهة إعادة تسليح أوكرانيا، وبما يسمح لها بإعاقة مشروعات القيصر بوتين.
في هذا السياق، تكاد تتحول الجبهة الشرقية من أوكرانيا لدرع خاصة بالناتو، خوفا من أن سقوط أوكرانيا ربما يفتح شهية الروس للزحف ناحية دول البلقان، وربما البداية من عند بولندا بنوع خاص.
بعد رفض لم يستمر طويلا، ها هي واشنطن تقطع بإرسال دبابات الأبرامز الشهيرة، الفاعلة بقوة في ميادين القتال، إلى أوكرانيا، الأمر الكفيل بتغيير المشهد العسكري فوق أراضي المعركة.
ولعل الأكثر إثارة موصول بألمانيا، والتي غيّرت رأيها، وها هي تدفع بدباباتها المتميزة "ليوبارد" لجهة المعركة المتوقعة، ولتخسر أي جسور للأوراسية، تطلعت إليها في عقود سابقة.
بريطانيا، التي اتهم رئيسُ وزرائها بوريس جونسون، بوتين، بتهديده بالقتل، تستعد لأن ترسل بدورها دباباتها، التي يطلق عليها "الوحش"، أو "تشالنجر 2"، بحلول مارس المقبل إلى كييف.
حديث التسليح لا يتوقف عند حدود الدبابات، بل هناك من يشير إلى إمكانية تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة متقدمة، كما ألمح لذلك الرئيس الفرنسي، والقصد، ولا شك، طائرات الرافال المتقدمة للغاية في ميادين الوَغى.
لماذا تغير فرنسا رأيها بهذه السرعة، رغم تفضيلاتها السابقة للعب دور الوساطة المتقدمة مع روسيا؟
الجواب يدخل ضمن علامات استفهام مثيرة للقلق، وبخاصة إذا ما أخذنا في عين الإعتبار أن الرئيس الأمريكي بايدن رفض فكرة تزويد كييف بطائرات إف-16.
هل هناك خطوط حُمر بالنسبة لروسيا يجري الإعداد لتجاوزها من قبل الناتو بشقيه عبر الأطلسي؟
غالب الظن أن ذلك كذلك، وهو ما رصده رئيس الوزراء الإيطالي السابق، جوزيبي كونتي، إذ صرح قبل أيام معدودات بأن "التصعيد العسكري في أوكرانيا يهدد بحرب نووية".
ما قاله السنيور كونتي عمّقه وعزّزه بل وأكده الرئيس الروسي السابق ونائب سكرتير مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، حين صرح بأن ما يجري الإعداد له "أمر عبثي"، ذلك أن القوى النووية لا تُهزم، وحال الغيّ السادر من قبل الناتو لهزيمة روسيا، فإن ذلك يعني أمرا واحدا، "حرب عالمية نووية لن تُبقي ولن تَذَر".
تبدو تجهيزات روسيا ماضية قدما لملاقاة خطط الناتو، إذ تُناور قِطع الأسطول الروسي وتتدرب على استخدام صواريخ "تيسركون" في المعركة القادمة، لإحراق دبابات الناتو، وحال تمادي الغرب في دعم أوكرانيا، التي تنظر إليها روسيا بوصفها "وكيلا للغرب"، سيكون "الخِيار شمشون" هو الورقة المتبقية لدى موسكو، بخاصة في ضوء مقترحات بتزويد كييف بصواريخ باليستية تطال قلب المدن الروسية.
الرقعة الجغرافية الآسيوية تمتد المخاوف بشأنها لجهة الصين، والمعركة القادمة لا محالة في أعين الصينيين وأذهانهم بشأن تايوان تارة، وبحر الصين الجنوبي تارة ثانية.
في أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، كان المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، تان كيفي، يؤكد أن الجيش الصيني يواصل الاستعداد لحالة الحرب ويعارض بشدة انفصال تايوان وتدخُّل القوات الخارجية، كما شدد على أن تايوان صينية، وهو التوجه الذي تحاول الولايات المتحدة في تقديره إضعافه.
هل لهذا توقَّع الجنرال في سلاح الجو الأمريكي، مايك مينيهان، دخول بلاده في معركة مع الصين في غضون عامين؟
الجنرال مينيهان يرى أن الصين "سوف تستغل فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024 لغزو تايوان وتنفيذ رؤية الصين واحدة".
بحسب مينيهان، يراهن الصينيون على حالة الاضطراب السياسي، التي يمكن أن تغرق فيها واشنطن، لكنه ينسى أو يتناسى أن خطط أمريكا العسكرية للرد جاهزة، مهما يكن من شأن ساكن "البيت الأبيض".
الثابت كذلك أنه حين يتحدث وزير الدفاع الأمريكي، أوستن، عن نية واشنطن الدفاع عن كوريا الجنوبية، ولو تطلب الردع نشر أسلحة نووية بجانب التقليدية، فإن الرد الكوري الشمالي ربما يكون بدوره قريبا نوويا..
هل آسيا على عتبات قارعة الحرب العالمية الثالثة؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة