تكتسب القمة غير الرسمية لقادة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC) هذا العام أهمية خاصة، ليس فقط لأنها تأتي في ظل تعثر التعافي الاقتصادي العالمي، بل لأنها تُظهر التزام منطقة آسيا والمحيط الهادئ الراسخ بالانفتاح والشمول.
وتُعتبر المنطقة، بفضل استقرار نموها وإمكاناتها السوقية الهائلة، محركاً رئيسياً للاقتصاد العالمي. وقد أثار موضوع اجتماع هذا العام، "تمكين، شمولية، نمو"، نقاشات معمقة حول كيفية مواجهة التحديات العالمية المتزايدة عبر التعاون والانفتاح، وذلك في ظل تصاعد الحمائية العالمية.
كمنصة اقتصادية رئيسية للتعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، قدّم منتدى APEC منذ تأسيسه مساهمات ملحوظة في تعزيز التنمية الإقليمية من خلال تشجيع تحرير التجارة والاستثمار، وتعزيز الحوار الإقليمي. في الوقت الراهن، ومع تزايد حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي، أصبح دور APEC أكثر أهمية؛ حيث يُمثل نموذجاً للنمو عبر التعاون متعدد الأطراف.
أثبتت الصين دورها البارز في دفع عجلة التعاون الاقتصادي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث شكلت سياسات الدعم والانفتاح التي تبنتها حافزاً قوياً للتكامل الإقليمي والتنمية المستدامة. ففي السنوات الأخيرة، لعبت الصين دوراً مهماً في العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، بما في ذلك منطقة التجارة الحرة مع الآسيان، والشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (RCEP) واتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP). ومن خلال هذه المبادرات، لم تعزز الصين النمو الاقتصادي داخل المنطقة فحسب، بل أكدت أيضاً التزامها الثابت بمبدأ الانفتاح الاقتصادي.
على سبيل المثال، واصلت الصين في إطار نموذج "الدورة الاقتصادية المزدوجة" سياسة الإصلاح والانفتاح العميق، ووفرت بيئة سوق نشطة وشاملة للمستثمرين المحليين والأجانب. كما ساهمت استراتيجية الابتكار التي اعتمدتها في رفع مستوى التكنولوجيا للصناعات المحلية، وجذبت المزيد من الشركات العالمية للاستثمار في السوق الصينية. ويعد معرض الصين الدولي للاستيراد (CIIE) أحد أبرز الأمثلة، حيث يعرض الابتكارات العالمية أمام المستهلكين الصينيين، مما يعزز الطلب المحلي ويحفز تدفق التكنولوجيا على نحو ثنائي الاتجاه، ويخلق نموذجاً يحتذى به في التعاون الاقتصادي في آسيا والمحيط الهادئ.
ومع ذلك، تواجه منطقة آسيا والمحيط الهادئ تحديات جديدة. ففي ظل النمو العالمي البطيء وزيادة مخاطر سلاسل الإمداد، يتعين على دول المنطقة، إلى جانب المحافظة على النمو، مواجهة تحديات مثل التحول الرقمي والقضايا البيئية. لهذا، بات بناء "مجتمع المصير المشترك" لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ مسألة ضرورية، لا سيما في هذه المرحلة. فالهدف لا يتمثل فقط في حماية المصالح المشتركة لدول المنطقة، بل أيضاً في توفير نموذج جديد للحكم الاقتصادي العالمي.
خلال قمة APEC لهذا العام، تتطلع جميع الأطراف إلى أن تستمر منطقة آسيا والمحيط الهادئ في دورها كمحرك اقتصادي، من خلال البحث عن أساليب تعاون جديدة تحقق المنفعة المتبادلة وتدعم التعافي والنمو الاقتصادي على الصعيد العالمي. من المتوقع أن يطرح الرئيس الصيني شي جين بينغ رؤية الصين لتعزيز التعاون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويعيد التأكيد على التزام الصين بالإصلاح والانفتاح، مع تقديم خطوات عملية للتصدي للتحديات التي تواجه المنطقة. وبالتعاون مع جميع الأطراف، تأمل الصين أن تساهم في تنفيذ رؤية بوتراجايا 2040 لمنتدى APEC بشكل متوازن، مما يعزز التكامل الاقتصادي الإقليمي، ويدعم النمو في آسيا والمحيط الهادئ والعالم.
بالنظر إلى ما سبق، فإن اجتماع APEC لهذا العام، إلى جانب المشاركة الفعالة للصين، يسلطان الضوء على أهمية التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ويقدمان نموذجاً للتعاون الشامل والمنفتح. التعاون والابتكار هما مفتاح النمو المستقبلي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. من خلال تعزيز التنسيق السياسي وتقاسم الموارد، تستطيع دول المنطقة مواجهة حالة عدم اليقين بشكل جماعي، مما يعطي دفعة قوية للاقتصاد العالمي.
إن رؤية منتدى APEC للتعاون الإقليمي تقدم دروساً قيّمة في التعامل مع التعقيدات المتزايدة للعولمة. سواءً عبر تعزيز الابتكار، أو تعميق الإصلاحات، أو توسيع الانفتاح، يظهر تضافر جهود أعضاء المنتدى الأثر الإيجابي لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في الحوكمة العالمية. وكمتحدث إعلامي صيني، أرى أن هذه الشراكات النموذجية لا تعزز فقط ازدهار المنطقة، بل تقدم أيضاً نموذجاً لتطور اقتصادي أكثر شمولاً وابتكاراً على مستوى العالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة