قبل نحو 12 عاما، وبالتحديد في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أقدمت جماعة الإخوان في مصر على الخطوة الأخيرة التي أكملت حالة الغليان الشعبي تجاه حكمها الذي هيمن على البلاد بترشيحها مسؤول قسمها السياسي محمد مرسي رئيساً للجمهورية، بعد السيطرة على مجلسي البرلمان
وكانت هذه الخطوة هي إصدار هذا الرئيس إعلاناً دستورياً دعم به صلاحياته ووسع من سلطاته وحصن قراراته كلها في مواجهة كل مستويات ومراحل القضاء، كذلك حظر على أي جهة قضائية حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية التي شكلها حينئذ لوضع مشروع الدستور.
فضلاً عن تغيير النائب العام، وحق الرئيس في اتخاذ ما يراه من إجراءات وتدابير لمواجهة يعتبره أي خطر يهدد حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة.
ولم يكن هناك من مناص أمام الشعب المصري حينها وكل قواه الحية، السياسية والاجتماعية، سوى التصعيد المتواصل مع نظام حكم الإخوان من وقتها، وصولاً إلى الدعوة للخروج يوم 30 يونيو/حزيران 2013، لإنهاء هذا الحكم.
وهو ما جرى فعلياً يومها بالحشود المليونية غير المسبوقة في التاريخ المصري الحديث، التي نجحت بثورتها العظيمة في إسقاط هذا الحكم البائس بعد عام واحد من استيلاء الجماعة على رئاسة الدولة وقبلها بشهور قليلة على كامل السلطة التشريعية.
والحقيقة أن تأمل تطور الجماعة انطلاقاً من تلك اللحظة التاريخية الفارقة، ذهاباً للوراء قبلها حيث نظام حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، ثم للأمام بعدها وصولاً إلى وقتنا الحالي، يكشف عن مسارات أساسية مرت بها الجماعة ونتائج رئيسة، انتهت بها إلى ما هي عليه اليوم.
فسنوات حكم الرئيس مبارك الثلاثين أظهرت مدى قدرة الإخوان على استغلال الادعاء بتمثيل الإسلام، وسط مجتمع متدين بطبعه وأغلبيته مسلمة، وسط غياب واضح وضعف مفرط لباقي القوى السياسية والحزبية، لتوسيع مساحات تواجدهم في المجتمع، وممارسة التوازنات والضغوطات على نظام الحكم، الذي لم يدخل معهم قط طوال العقود الثلاثة في أي مواجهة كبرى أو حاسمة.
وطوال السنوات الخمس من عام 1992 حتى عام 1997، وهي الأعوام القاسية التي اندلعت فيها بمصر الموجة الأكثر شراسة للإرهاب التي قام بها كل من "الجماعة الإسلامية" و"جماعة الجهاد"، لم يصدر عن الإخوان أي إدانة واضحة لها واكتفت الجماعة ببيانات عامة فضفاضة.
وبدا واضحاً تركيز الإخوان بدءاً من نفس الفترة وحتى نهاية حكم الرئيس مبارك على تطبيق "خطة التمكين"، وهي تلك التي اكتشفتها أجهزة الأمن المصرية بمنزل نائب المرشد العام للجماعة وأبرز قادتها خيرت الشاطر، في القضية المعروفة إعلاميا بقضية "سلسبيل" في نفس عام 1992.
وكما يشير عنوان الخطة، فهي ترمي إلى استيلاء الجماعة على حكم مصر، وهو ما يستلزم بحسب نص الخطة: "الاستعداد لتحمل مهام المستقبل وامتلاك القدرة على إدارة أمور الدولة، وذلك لن يتأتى بغير خطة شاملة تضع في حساباتها ضرورة تغلغل الجماعة في طبقات المجتمع الحيوية، وفي مؤسساته الفاعلة مع الالتزام باستراتيجية محددة في مواجهة قوى المجتمع الأخرى والتعامل مع قوى العالم الخارجي".
وبنهاية حكم الرئيس مبارك بتخليه عن منصبه في 11 فبراير/شباط 2011، بعد 18 يوماً من اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني، بدأت حلقات مسيرة الإخوان الأخيرة في مصر، والتي وضح منذ اللحظات الأولى أنها تتجه مباشرة وبسرعة هائلة نحو التطبيق الحرفي والكامل لهدف "خطة التمكين" وهو "تحمل مهام المستقبل وإدارة الدولة"، بعد أن قدرت الجماعة أن تلك كانت هي اللحظة التي طال انتظارها لهذه الإدارة، وظنت أنها قد استوفت خلال المراحل السابقة "خطتها الشاملة للتغلغل في طبقات المجتمع الحيوية ومؤسساته الفاعلة" اللازمة لهذا.
diaarashwan@gmail.com
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة