طغت عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة اندريه كارلوف يوم الاثنين الماضي، على مجمل التطورات السياسية
طغت عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة اندريه كارلوف يوم الاثنين الماضي، على مجمل التطورات السياسية والأمنية في سوريا والمنطقة.
فهذه العملية غير المسبوقة هي الأولى ضد سفير أجنبي في تركيا على مدى تاريخها منذ عام 1923. وكانت حصلت محاولة اغتيال للسفير الألماني في أنقرة في عام 1942 كما اغتيل القنصل «الإسرائيلي» في إسطنبول في عام 1971.
طبيعة الضحية المستهدفة وتوقيت الاغتيال شكلا سؤالاً كبيراً عن الأهداف والتداعيات.
فالسفير كارلوف ليس سفير دولة عادية بل الدولة العظمى الثانية في العالم والتي تنجح منذ سنوات في فرض نفسها منافساً جدياً للولايات المتحدة. وبالتالي فإن مثل هذه العملية عمل على مستوى عال من التخطيط لا يمكن لفرد واحد أن يقوم به أو يتجرأ عليه، لذا فالأصابع يفترض أن تتوجه إلى أجهزة استخبارات عالمية.
وفي وقت يحتدم الصراع بين روسيا وأمريكا في سوريا والمنطقة وفي أوكرانيا فإن الاتهامات سوف تتجه فوراً إلى الخارج وإلى دول كبرى.
أما توقيت العملية فإنها تأتي بعد سقوط حلب وفي ذروة تنسيق روسي مع تركيا بالتعاون مع إيران؛ بحيث أن مساراً جديداً يأمل الروس والإيرانيون وتركيا أن يشكل أرضية صلبة لحل الأزمة السورية.
لكن النوايا والرغبات شيء والحسابات والوقائع شيء آخر. فما سمي ب«إعلان موسكو» كان مجرد عناوين عريضة سبق أن تضمنتها إعلانات سابقة في أكثر من ملتقى واجتماع لكل الدول.
كما أن التباينات كانت أكثر من واضحة بين مواقف الدول الثلاث، لا سيما بين تركيا وإيران أثناء المؤتمر الصحفي لوزراء خارجية الدول الثلاث.
صعوبة أن يكون اللقاء الثلاثي الجديد بداية مسار جدي لحل الأزمة السورية لا يحول دون أن تخشى الدول المعادية لروسيا وإيران من تحوله إلى حالة يمكن أن تؤثر في موقع تركيا في المنطقة والعالم. فإذا كان الاغتيال رسالة موجهة إلى التعاون الثلاثي المذكور، فإن تركيا لا يمكن أن تتجاهله ولو صرحت بأنها ستواصل تعزيز العلاقات مع روسيا وأقوى مما كان قبلا. الاغتيال الآن مجرد إنذار لا يعرف كيف ستتعامل تركيا معه لاحقاً.
أما إذا كان الاغتيال يهدف إلى الرد على الوضع في حلب وسقوطها بيد النظام السوري وحلفائه، لا سيما روسيا فإن المسألة ستنحو منحى آخر وستتوجه أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة. فالولايات المتحدة وأوروبا خسروا معركة حلب، لكنهم في الأساس ليسوا من النوع الذي يقف عند خسارة هنا أو هناك إلى درجة اغتيال سفير روسيا في إحدى الدول فكيف إذا كانت تركيا.
هنا ربما تتوجه أصابع الاتهام إلى أكثر من جهة سورية معارضة أو تركية متشددة حتى داخل حزب العدالة والتنمية. لكن هذا لا يمر أيضاً دون ردة فعل تركية تؤثر في دعمها للجماعات المعارضة؛ حيث إن صورة تركيا اهتزت كثيراً بعد عمليات التفجير الواسعة بصورة أسبوعية تقريباً لتأتي عملية اغتيال السفير الروسي لتظهر صورة بلد غير آمن وغير مستقر وهو ما سيؤثر بالتأكيد على مواسم السياحة المتراجعة باطراد وعلى الاقتصاد عموماً في ظل تراجع سعر صرف الليرة التركية إزاء الدولار وتراجع النمو إلى 2.5 في المئة تقريباً على ما يقدر مع نهاية العام.
ولا يعرف بالضبط ما ستكون عليه العلاقة بين تركيا وبين المعارضة السورية التي اعتبرت أن إعلان موسكو الثلاثي لا يعنيها وأنها ترفض أن تقرر روسيا وتركيا وإيران عنها مصير سوريا.
في جميع الأحوال فإنه مع نهاية عهد باراك أوباما وبانتظار وصول عهد دونالد ترامب فإن الكثير من اللاعبين يجربون تصفية حسابات في الوقت الضائع ولو تطلب الأمر تجاوز الخطوط الحمر مثل اغتيال السفير الروسي في تركيا. ولن تتوقف هذه الأعمال في انتظار تبلور تفاهمات جدية بين القوتين الأعظم في العالم: الولايات المتحدة وروسيا.
نقلا عن / الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة