لم يكن يعتقد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وهو يخرج من ميدان الستين بالعاصمة صنعاء، أن موكبه الرئاسي لن يمر من هنا ثانيةً
لم يكن يعتقد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وهو يخرج من ميدان الستين بالعاصمة صنعاء، أن موكبه الرئاسي لن يمر من هنا ثانيةً، فرصاص الغدر الحوثي أوقف عجلة حياة الرجل وأنهى مشواره عند أطلال مسقط رأسه سنحان.
عشرات الرصاصات أصابت صالح، لتفجّر دماغه وتصبغ ثيابه بألوان دم شبيهة بتلك التي لم تترك صنعاء منذ أن احتلتها مخالب إيران الحوثية في سبتمبر/أيول 2014.
بيد أن الثابت في المشهد الدموي، هو أن روح صالح التي صعدت إلى بارئها، ضبطت ساعة الصفر لكتابة نهاية الكهنوت الحوثي الغاشم، ولفرض واقع سياسي جديد محلي وإقليمي ودولي في التعامل مع هذه الجرثومة الإيرانية التي أصابت البلد السعيد فحوّلته إلى أتعس خلق الله في أرضه.
فصنعاء التي عشقها صالح حتى سالت دماؤه بقربها، ليست هي نفسها ما بعده، فالرئيس السابق وفي كلمته الأخيرة يوم الثاني من ديسمبر/كانون أول الجاري، أوصى أبناء شعبه وحزبه وقواته وقبائله، بأن يكونوا يداً واحدة وعلى قلب رجل واحد، في مواجهة الحوثيين الذين نهبوا دولتهم وقوتهم وعافيتهم.
كلمةٌ شكّلت إعلاناً لا رجعة فيه عن فضّ الشراكة مع من كانوا حلفاء الأمس، أعداء اليوم، فدفع الرجل حياته ثمناً لهذا التحول الذي جاء بعد أن طفح كيل صالح وأنصاره بانتهاكات المتمردين الحوثيين.
شراكةٌ شهدت الكثير من الاهتزازات منذ الانقلاب على الشرعية عام 2014، وفي كل مرة كان الحوثيون يلوّحون فيها بتصفية صالح، إما بشكل ضمني أو مباشر، لإجباره على القبول بالأحكام التي تفرضها موازين القوى بالعاصمة.
غير أن الوضع وصل للذروة الأربعاء الماضي، عقب محاولة الحوثيين السيطرة على مسجد الصالح التابع لقوات صالح، بصنعاء، قبل أن تبسط المليشيات سيطرتها عليه، وتصاعد فيما بعد حدة الهجمات التي يشنها مسلحو جماعة "أنصار الله" مستخدمين الصواريخ والدبابات، إلى أن اقتحموا منزل الرئيس السابق جنوب المدينة وتفجيره، واغتياله على مرمى كيلو مترات من سنحان التي ولد فيها عام 1942، في نهاية المعركة السابعة بين حليفي الأمس.
الثابت في المشهد الدموي، هو أن روح صالح التي صعدت إلى بارئها، ضبطت ساعة الصفر لتدشين نهاية الكهنوت الحوثي الغاشم، ولفرض واقع سياسي جديد محلي وإقليمي ودولي في التعامل مع هذه الجرثومة الإيرانية التي أصابت البلد السعيد فحوّلته إلى أتعس خلق الله في أرضه.
وأمام وصية صالح التي لم يوجهها فقط لأبناء اليمن، بل للعرب أجمعين، لابد لحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يترأسه الراحل، وخاصة ممن يختلفون مع الشرعية، أن يوحّدوا صفوفهم كي يكونوا قوة وجبهة صلبة لدحر هذا الاحتلال الفارسي الذي أصبح إنهاؤه ضرورة للسلم والأمن الدوليين.
ولابد لأبناء هذا الشعب، وعلى رأسهم القبائل، أن يعرفوا أن الرهان على إرادتهم في إنهاء الحوثيين كبير، وأن إكمال مسيرة الانتفاضة التي أطلقها صالح لاقتلاع وكلاء إيران من بلادهم، واجب لا حياد عنه .
أما القيادة الشرعية بزعامة الرئيس عبدربه منصور هادي، فعليها أن تتواجد بشكل كبير داخل اليمن، وعدم البقاء خارجه، وعليها أيضاً لم شمل كافة قواتها المسلحة تحت مظلتها، وأن تعي بأن ترك الساحة في هذا الوقت سيؤدي إلى كثير من المعضلات التي لا يُحمد عقباها في ظل السياسة الإيرانية التوسعية التي تتعامل مع هذا البلد كمخزون بشري لغزو المنطقة والخليج.
مسؤوليةٌ لم يغفلها هادي في كلمته المتلفزة يوم أمس، التي عزّى فيها كل من سقط في انتفاضة صنعاء خلال الأيام الماضية، وعلى رأسهم سلفه علي عبدالله صالح، الذي اعتبره "شهيداً"، داعياً كل أبناء شعبه إلى فتح صفحة جديدة بقلب متسامح، والتوحد خلف الشرعية من أجل دحر هذه العصابات السلالية الإرهابية.
دعوةٌ جادةٌ أطلقتها الشرعية اليمنية لكل الأطراف بما فيها تلك التي تعاونت مع الحوثيين وأدركت الآن خطرهم على مستقبل البلاد. وهو ما ترجمته كلمة هادي الذي أكد أن حكومته ستمدّ يد العون على كل المستويات لمن يقف في وجه ميليشيات الحوثي.
رغبةٌ لدى الحكومة الشرعية في أن تعود صنعاء عاصمة كل اليمنيين إلى عروبتها، وهو ما شدد عليه الرئيس هادي حين بدا واثقا من انتصار العاصمة وعودتها للحضن العربي.
وإلى جانب الشعب اليمني وقيادته، لابد للتحالف العربي أيضاً، أن يعي بأن استراتيجية المعركة قد تغيّرت على الأرض، منذ أن طرح الراحل صالح فتح صفحة جديدة مع الجوار، قبل اغتياله بيومين.
فالتدخل العسكري للتحالف الذي بدأه بعاصفة الحزم وأتبعها بإعادة الأمل، عام 2015، يجب أن يوازيه عمل سياسي كبير سواء مع الحكومة الشرعية أو غيرها، فالتركة العسكرية التي تركها صالح ليست بالأمر الهيّن، والخوف من ولادة أمراء حرب على حساب الشعب والقضية، احتمال وارد.
عبءٌ كبيرٌ يقع على عاتق التحالف والحكومة الشرعية، في لمِّ شمل التركة العسكرية والسياسية والمتمثلة في قوات صالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، لاسيما في ظل تغول إيراني تدعمه قطر التي لم تكن بعيدة عن سيناريوهات التخطيط لعملية اغتيال الرئيس اليمني السابق بالتعاون مع طهران.
فالمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام تشير إلى أن الرئيس صالح خرج من منزله بصنعاء متوجهاً إلى مسقط رأسه في سنحان، بعد وساطة مع الحوثيين. وساطةٌ كانت الدوحة حاضرة فيها، وسط تساؤل حول هوية الأدوات اليمنية التي تم تحريكها من قبل الدوحة.
رحل صالح ليغيب نهائياً من المشهد السياسي في اليمن الذي لم يفارقه حتى عندما تنحى عن السلطة عام 2012، مقابل حصوله على الحصانة، وليبقى أبناء شعبه يلملمون جراحهم على عُجالة لإنقاذ وطنهم واللحاق بمحيطهم العربي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة