زحمة دبلوماسية تحاصر السوريين موالاة ومعارضة بحثاً عن حلٍ سياسي للأزمة المندلعة منذ نحو سبع سنوات
زحمة دبلوماسية تحاصر السوريين موالاة ومعارضة بحثاً عن حلٍ سياسي للأزمة المندلعة منذ نحو سبع سنوات، طرفا النزاع أنهيا في جنيف السويسرية، من دون نتائج تذكر، جولتهما الثامنة تحت عباءة الأمم المتحدة ومبعوثها الذي بدا أكثر قوة وحسماً هذه المرة بمواقفه الحازمة لناحية فرض التفاوض المباشر على الجانبين وهو مالم يحصل، وتكراره عدم قبوله أي شروط في هذه الجولة من المفاوضات.
المراقب لجنيف وجولاته الثماني لاشكّ تغيّر عليه أسلوب تعامل وفد الحكومة السورية الذي بدا أكثر تشدداً من الجولات السابقة، رئيس الوفد بشار الجعفري قال إنّ بيان "الرياض 2" مشروطٌ وهذا يخالف مساعي دي ميستورا للوصول إلى نقاط مشتركة بين الجانبين، المعارضة من جانبها ذكرت بأنّ المشكلة لا تكمن في بيان "رياض 2" بالنسبة للنظام إنّما في مرحلة ما بعد داعش التي ستضعه أمام استحقاق مناقشة مصيره ومرحلة الانتقال السياسي وهذا ما لا يريده كما تقول.
إذاً ماهو شكل المرحلة التالية بعد داعش، وما هو الاختراق الذي يمكن لـ دي ميستورا تحقيقه بالاعتماد على الاتفاق الثنائي بين روسيا وأمريكا.
المؤشرات تقود إلى نقطة واحدة فقط هي انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، خصوصاً أنّ الكثير من الأصوات الغربية رددت في الأونة الأخيرة على مسامع الكثير من الشخصيات المعارضة أنّه ما من سبيل لإسقاط الأسد سوى بالانتخابات، فماذا لو قَبِل الأخير بها؟
المؤشرات تقود إلى نقطة واحدة فقط هي انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، خصوصاً أنّ الكثير من الأصوات الغربية رددت في الأونة الأخيرة على مسامع الكثير من الشخصيات المعارضة أنّه مامن سبيل لإسقاط الأسد سوى بالانتخابات، فماذا لو قَبِل الأخير بها؟
هل المعارضة في وضع يسمح لها بإسقاطه كما يهمس في أذنها الغرب، للإجابة على هذا السؤال لابدّ من استعراض ثلاثة عوامل رئيسة تساعد إلى حدٍ ما في رسم المستقبل السياسي لسوريا، لا بل وستؤثر بشكل مباشر في تحديد اسم من سيحكم هذا البلد حزباً كان أو شخصية مستقلة.
العامل الأول هو البيئة الانتخابية وتهيئة الأرضية لها، فالمجتمع السّوري ومنذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد لم يعتدْ التعددية السياسية، فحكم الحزب الواحد أفقد الطامحين للوصول إلى سدّة الحكم الرغبة في ذلك ناهيك عن عدم قبول فكرة النظام في حينها منافسة غيره له.
يحتاج العامل هذا أشهراً إنْ لم نقل سنوات لإقناع السوريين أنّ ثمّة مشهداً جديداً في سوريا يمكنهم من خلاله ممارسة حقهم الطبيعي في اختيار رئيسهم ونوابهم، لاشكّ أنّ الانتخابات الأخيرة وإنْ لم تُجرَ في ظروف مثالية ولكنها وضعت اللبنة الأولى في مشروع كسر حاجز الحزب الواحد، خصوصاً بعد التغيرات التي طرأت على مستوى رئاسة الجمهورية بحسب الدستور الجديد المُقر عام 2012، والذي ألغى المادة الثامنة، التي كانت تنصُّ على أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد للدولة والمجتمع؛ وبالتالي الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية لم يعد محصوراً بالقيادة القُطرية لحزب البعث .
العامل الثاني هو النظام الانتخابي، فطريقة منح الصوت الانتخابي لاتزال حتى هذه اللحظة أسيرة رابطة القرابة أو المذهب أو الإثنية وهذا ما يفقد بعض المتحمسين القدرة على خوض أي انتخابات مقبلة لعدم توفر المنافسة الحرة في ظل وجود هذا السلوك غير السّوي.
هنا يتوجب وجود قانون انتخابي يساير الجماعة دون إهمالها ويركّز على الفرد ويعمل على توعيته وإرشاده ليكون نموذجاً للتطور والازدهار والسّير نحو دولة ديمقراطية تعددية، وهذا لن يكون إلّا في ظلِ حماية سلطة قضائية مستقلة تماما عن طرفي النزاع الدائر، النظام والمعارضة ( الولايات المتحدة نموذجا).
أمّا العامل الثالث فهو الخلفية السياسية للمرشحين، وهنا أذكر أنّ شخصية معارضة قالت لي ذات يوم إنّه سيصوت للرئيس بشار الأسد إذما انحصرت المنافسة بينه وبين التيار الإسلاموي المتشدد.
المشهدية هذه تظهر مدى الشرخ ما بين السوريين المتعطشين للحرية والذين طالبوا بها مع بداية الحراك عام 2011 ودفعوا ثمنها الكثير، وبين التيارات الدينية التي وأدت المطالبات السلمية لصالح مشاريعها الخارجية، والتي تخطت حدود سوريا،هيئة تحرير الشام النصرة سابقا نموذج لذلك بارتباطها الوثيق مع القاعدة وإن صرحت خلاف ذلك.
النصرة ليست الوحيدة فالكثير من الفصائل المسلحة مدعومة من تنظيم الإخوان الباحث كذلك عن السلطة بعد فشله في تونس ومصر وليبيا.
الخلاصة أنّ العوامل الثلاثة لاتصبّ في صالح المعارضة إذا ما ماوافق الأسد على إجراء انتخابات مبكرة، لذلك عليها البحث عن تسويق نفسها أكثر لدى شرائح المجتمع السوري والابتعاد قدر المستطاع عن التيارات الدينية المتشددة التي كبلت المعارضة بمشاريعها الخارجية وارتباطاتها البعيدة عن مصلحة السوريين وتطلعاتهم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة